الغنوشي هل هو خميني تونس أم مشروع أردوغاني!


هاني نسيرةhany_copy

من المهم بداية التفريق بين ثورة يقودها الإسلاميون وثورة يركبها الإسلاميون، وثورة يمكن أن يكون الإسلاميون جزءا منها، وهذه الحالة الثالثة الأخيرة هي ملمح أولى حاضر في تصور الثورة التونسية المعاصرة التي أطاحت بنظام زين العابدين بن على الذي طالما رفع شماعة الإسلاميين أمدا طويلا من الدهر، في 14 يناير الماضي، وهو شرط موضوعي مهم للتفريق بين التغيير المطلوب والمرغوب، وهو إنشاء دولة حديثة بهندسة ديمقراطية تعددية تحترم حريات الأفراد وآراءهم كما لا تحتكر الشرعية وتتعامل مع آخريها باستعلاء ديني أو أيديولوجي يمنع الآخرين من ممارسة حقوقهم المشروعة، أو يمارس الوصاية عليهم، وبين إعاقة التغيير بحجة أن الإسلاميين يمكن أن يركبوا عليه .

تصور البعض منذ أعلن راشد الغنوشي اعتزامه العودة لتونس أننا في انتظار خوميني تونس القادم بعد سقوط شاهها، رغم أن الرجل الشيخ المسن( 69 عاما) الآن وحركته المنهكة لم يكونا جزءا من الحراك الماثل في تونس ولا من ثورتها الحالية، بل كانوا مشاهدا أكثر منه فاعلا، وإن تماهوا ودافعوا عن مطلبياتها ولا زالوا في حل الحزب الحاكم السابق، حزب التجمع الدستوري الذي يحكم تونس منذ إعلان استقلالها في 20 مارس سنة 1956، وتصفية رواسب المرحلة السابقة ونفي رموزها عن الحضور، وهو مطلب جماهيري مهيمن تتم ترجمته في المظاهرة المليونية التي قرر لها أن تخرج من مدينة سيدي بوزيان مساء السبت 22 يناير الماضي، والتي ستصل العاصمة خلال يومين لرفض تشكيلة الحكومة الانتقالية التي تضم وجوها من النظام السابق لبن علي، وفي تصريح لقيادي في النهضة أكد أن الحركة تشترط ما تشترطه الثورة قبل عودة الغنوشي وهو حل التجمع الدستوري وتصفية الحكومة من وجوه النظام السابق، وحسب حديث للقيادي في الحركة بن على لصحيفة الشرق الأوسط في 22 يناير أكد أن الحركة تسعى فقط لتكون طرفا من بين الأطراف السياسية الموجودة، دون أن تحتكر الأمر لنفسها حتى ولو قدرت عليه فيما بعد.

وهي التطمينات التي انطلقت على لسان الغنوشي نفسه حين أكد أن حركته المنهكة بعد نيف وعقد من الصدامات والصراع مع السلطة ستحتاج وكذلك غيرها من الأحزاب خمس سنوات لإعادة استحياء هياكلها وتنظيم قواعدها من جديد.

وأكد الغنوشي في حوار مع جريدة ليبراسيون الفرنسية غداة إعلانه اعتزامه العودة التي تأخرت بسبب عدم صدور قرار عفو عنه وعن حركته حتى تاريخه، رغم إقراره من قبل الحكومة الانتقالية في أول اجتماع لها ولكن لا زال ينتظر التصديق عليه من البرلمان، أكد الغنوشي أن حركته لم يكن له دور في هذه الثورة المباركة، وأن ليس لأحد أن يخشى منها فهي أقرب للنموذج التركي للعدالة والتنمية من سواه، حيث تقبل بالتعددية والحقوق المدنية والسياسية وحرية المرأة وغيرها من الِأشياء.

ونرى الغنوشي في هذا السياق يؤكد ما سبق أن طرحه العديد من المرات في كتاباته التي أعلن فيها إعجابه بالتجربة التركية الأردوغانية وعذره لها، وإعجابه كذلك بالعلمانية الغربية التي أعطت له ولما لا يقل عن 400 فردا من حركته حق اللجوء السياسي، ولم يتهم واحد منهم بأي نشاط متشدد أو متطرف، ويرى أن العلمانية- حسب العديد من كتاباته- تحمي الوجود الإسلامي في الغرب، وتحمي كذلك التعددية داخل الدول الإسلامية متى صح تطبيقها ولم تكن فقط مجرد عداء للدين أو للقوى والحركات الإسلامية السياسية.

نظن أن الغنوشي في رسائله المتبادلة قد استفاد من أخطاء سابقة، حين أصر على مجابهة نظام بن على سنة 1987 في الانتخابات البرلمانية، ومحاولة سحب البساط من تحت قدمه، كما أن الحركة كانت قد أعدت لانقلاب مسلح على بورقيبة سبقها بن على بانقلابه السلمي والتغيير( حركة 7 نوفمبر) بيوم واحد، وهي الأخطاء التي اعترض عليها كثير من المنتمين والقياديين السابقين في النهضة فيما بعد مثل خميس الماجري وفاضل البلدي وغيرهم.

كما أن الحركة التي كانت أول شكل تنظيمي لها سنة 1972 توزع تحدياتها على المستوى الديني، بدءا من الانفتاح التقدمي الذين تمثلهم مجموعة الإسلاميين التقدميين والتي انشقت عن النهضة سنة 1980 حتى التيار السلفي الصاعد في تونس منذ التسعينيات، وأينما تجاور التيار السلفي مع تيار الإسلام السياسي كانت النتيجة دائما تراجع الأخير، وهذا ما هو باد في مصر، وخاصة في مدينة الإسكندرية التي تمثل معقل السلفيين، نظرا لتصلب وقوة الخطاب الأصولي والعاطفي الذي يجذب الجماهير المتدينة، فضلا عن رفضهم العمل السياسي، وبالتالي إراحة الجماهير من عنائه وويلاته في الصدام مع السلطات..

وبينما كانت الساحة خالية في السابق لحركة النهضة تكاد تخلو من كوادرها الآن بعد أن ذاب الكثير منهم في الأحزاب السياسية الأخرى، وقضى السجن على بعضها الآخر، وتشتتت المهاجر ببعضها الثالث، مما يجعل الدور المنتظر لحركة النهضة بعيدا عن الفزاعات هو المشاركة ومحاولة التعاون مع قوى الثورة الحية والفاعلة والجديدة أكثر من ادعاء الوصاية عليها، أو الوقوع في أخطاء الماضي، وبالتالي لن يكون راشد الغنوشي خومينيا منتظرا ولكن قد تكون حركته بعد عقد من الزمان أردوغانية جديدة.. وهنيئا لتونس ثورتها التي خرجت من شعبها دون وصاية من أحد!

شاهد أيضاً

القضية الأهوازية وانتفاضة تغيير النظام في إيران

ورقة صالح حميد في ندوة ” لا ديمقراطية بدون حقوق القوميات في إيران” لندن – …