النظام الفدرالي نموذجا لحل القضية القومية في إيران:

محاضرة البروفيسور، الدكتور  ه. سي. رولاند مونش*poor4

تشمل المحاضرة المقدمة وعدة محاور ، طرح فيها المحاضر أسئلة بهذا ا لخصوص ومن ثم الرد عليها لياخذ الشرح طريقة بشكل متسلسل الى المستمعين او القارئين للمحاضرة من خلال تعريف القضية القومية في ايران وبالتالي وضع الحلول المعقولة لها .

الوضع السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي و الثقافي في ايران:

إن الوضع السياسي الموجود وخلال العقود الثلاثة الماضية، أي بعد سقوط النظام الملكي في عام 1979 تسلطت على البلد سلطة دينية بحتة، مركزية، أحادية و مستبدة للغاية، تسترخي بعض الأحيان بشي من “الديمقراطية” في الانتخابات، ذلك أيضا ضمن إطار إيديولوجي ضيق للغاية. بعد الأحداث التي جرت و القمع الذي وقع ضد المنتفضين بعد الانتخابات الرئاسية  في جون/ حزيران 2009 و المؤشرات التي تلتها أصبح من الواضح ان البنية الدستورية لإيران يجب مبدئيا  ان يعاد النظر بها لتأخذ حقوق الإنسان مداها الأوسع في الدستور و بعدها تطبق من قبل النظام الحاكم.

أن السلطة الحاكمة تتميز اليوم بالقوة و الضغط و بأسلوب عسكري -بوليسي الى حد كبير، هذه الحكومة تتكى على ثلاثة أقسام من العسكر التي تشكل أركان وأعمدة هذا النظام، تسيطر هذه الفئات  على الاقتصاد العام والمؤسسات الحيوية والأساسية في إيران ويكون حفظ النظام من أعظم مهامها و في المرتبة الأولى لكل مخططاتها وستستخدم أية وسيلة من اجل الاحتفاظ بالسلطة، و تخطط  هذه الفئة إلى المدى البعيد. علاوة على ما ذكر ان النظام الحاكم في إيران يعتمد على ركيزتين أساسيتين  و في نفس الوقت مختلفتين:  هي الركيزة الدينية و الركيزة العسكرية، لكن يربط هذه الركيزتين نسيج معقد  و لا يعرف في الواقع من هو صاحب القرار و الآمر و الناهي بشكل دقيق و مكشوف في هرم السلطة. و كل ما قيل و يقال بأن فلان أو مجموعة هم اصحاب القرار، يكون كله مجرد تكهن…

ولكن حول التغيير الممكن باتجاه الفدرالية في إيران تشترك هاتين الركيزتين في قاسم  مشترك و مهم  هو حفظ مركزية النظام و أحاديته في كل المشاريع. السلطة الأيديولوجية الدينية المعتمدة على المؤسسات الأمنية و القمعية، تخدع بتحججها بالدستور و الحياة السياسية اليومية بأنها المدافعة عن حياة المجتمع في البلد ، لكن ليس هذا هو الواقع. إن الوضع الاقتصادي وألمعاشي  متردي للغاية. إن هناك إشارة توحي بأن التركيز قوي للعمل على تنمية المؤسسات التي تعمل على تقوية النظام وبقائه ، كتطوير البرنامج النووي وتقنيات البحث عن منابع النفط و الغاز. هذا التطور و هذه التنمية  الواسعة النطاق يفترض انها تعمل على خلق فرص واسعة للعمل ، لكن هذا التطور لا يتلاءم مع التنمية البشرية  أو الديموغرافية  و ليس بنفس السرعة.  كما إن الوضع الاجتماعي متردي و التغير بهذا الجانب بطئ ….

النظام المركزي في إيران ليس استثناء في الشرق الأوسط، تتخذ كل القرارات السياسية و الخطوات المهمة لسياسة السلطة في إيران بشكل مركزي و تهيمن هذه المركزية على كل مقومات المجتمع … إيران بلد متعدد الشعوب و القوميات و الأديان لكن ليس هناك أي عدالة بالتعامل مع هذه المكونات ، والأديان محرومة من ممارسة طقوسها وعباداتها، ومحرومة من الفرص المتاحة في المجتمع . يمكن مقارنتها بتركيا، حيث تمنع كل الأحزاب و المنظمات الغير فارسية من العمل و النشاط بكل أشكاله في ايران.

هل هناك تناقضا بين الواقع الاجتماعي السياسي في ايران مع هيمنة دستور النظام المركزي الاسلامي؟  هذا هو السؤال العام و المطروح و يناقش دائما حول الفدرالية في العالم. لا يخفى على احد إن هناك علاقة طبيعية ووطيدة بين العجز السياسي المركزي والتكوينة الاجتماعية والاقتصادية ولكن مع ذلك لم يرتفع ذلك العجز. فهناك معطيات تذكر بأن الإطار الفدرالي للسلطة سيعزز التنمية و يزيل الاعتداءات و يرفع العجز و النواقص التي ذكرت و لذا:

1- على ما يبدو إن الفدرالية تكون لصالح التنمية الاجتماعية و الاقتصادية.

2- ان هناك عدة قرائن تقول بان الاعتداء و التمييز الثقافي في الأقاليم و خرق حقوق الإنسان و تدني التنمية ترافق النظام المركزي..

3- ان هناك دول غير فدرالية لم توجد بها ديمقراطية و أيضا توجد أنظمة مركزية لها نوعا من الديمقراطية وهناك دول موجودة لم تكن فيها ديمقراطية اوعاجزة تماما عن تحقيقها. إن الديمقراطية ضرورية للمجتمعات الغير متجانسة قوميا لكن ليس بالضرورة إن تكون ناجحة، لان شرعية الديمقراطية تتحقق من خلال الانتخابات، لذلك إن الأقلية لن تفوز في الانتخابات وعندئذ لن تتمكن من كسب السلطة وستبقى الأغلبية المنتمية إلى قومية واحدة هي المتسلطة على زمام الأمور. فهناك ضرورة و فرصة حيوية لتحقيق الديمقراطية هي مشاركة الأقليات في التنوع الثقافي و المشاركة بإطار اتحادي، فدوام و بقاء المركزية  يعيق التنمية الثقافية و اللغوية و يضعفها .

كيف يمكن تحقيق النظام الفدرالي في إيران؟  يمكن تحقيق الفدرالية على الأراضي الإيرانية، إذا تحققت الشروط التالية :  هناك فرص مشتركة ومنقسمة، طالما العملية الفدرالية مستمرة في دول الجوار مثل جمهورية آذربيجان و الجمهورية الفدرالية في كردستان. من الممكن ان تتغير الأمور عند ما يرتفع الضغط في الداخل. العملية الفدرالية في إيران عملية سياسية شاملة و ستستهدف كل مؤسسات النظام والمجتمع هناك لذا من الضرورة معرفة هذه الحقائق:

* تصدير العملية الفدرالية من الخارج عمل غير واقعي و سيودي إلى نتائج عكسية.
* إن العالم غير مهتم في النهاية بحركة الداخل في إيران على رغم كثافة التغطيه قبل و ما بعد الانتخابات : الاهتمام في الداخل يلخص على التجاوزات بحكم الشريعة  و على السياسة الخارجية تهتم بإنكار المحرقة لليهود و الخطابات التي تهدد إسرائيل و تصدير الثورة من قبل إيران إلى العالم الإسلامي و تطوير البرنامج النووي الإيراني، هذه الوقائع الوحيدة التي تخيم في هذا السياق على أحداث الداخل.
* إن تحقيق الفدرالية، إذا كان ذلك ممكنا، سيتحقق بالعمل الداخلي  من خلال الاضطرابات الاجتماعية الداخلية و الشاملة ، لتاخذ الأرضية استعداداتها لإعادة النظر في الجذور ذات الصلة  التي تهدف  لتشكيل الدولة و هذا يبدو الآن بعيدا في إيران.
* وأيضا لا يمكن في الوقت الراهن إخفاء أهمية الملايين من المهاجرين الإيرانيين وخاصة الفئة المثقفة التي عمل على نقل الثقافة والتجارب من والى داخل ايران .
* هنا تتضح أهمية المنظمات الدولية المدافعة  عن حقوق الإنسان للتركيز على الاعتداءات، التي تحدث في داخل ايران كالقمع والعنف ونقل ذلك الى المجتمع الدولي .

عندما تتهيأ الأمور ليس من الضرورة ان تكون هناك خطة جديدة لتحقيق هذا المشروع، هناك العديد من النماذج للفدرالية توفر ما يكفي لإعداد إحداهن في إيران، و يطبق هذا النوع من الفدرالية حسب ما تتطلبه الظروف و ستلبي طموحات  جميع الفئات. فمتابعة النهج الفدرالي لإيران سيكون متلائما مع:

* تعيين الحدود حسب قوانين الأراضي الفدرالية، إتقان هذا التحدي في دولة ليس ليدها تقاليد و تجربة في الفدرالية سيصبح مشروعا صعبا، مثلا في العراق جربت هذه الحركة لسنوات عدة و لم تستكمل إلى الآن هذه أول خطوة التي تخلق نهجا جديدا و تكشف عن الحقائق و لو كان هذا في أذهان الأطراف الفاعلة، لكانت البداية مقنعة. لا ننسى ان هناك مدن و احياء سكنية موجودة في تلك المناطق تخلتف لغتهم، و من اللازم أن يتعامل مع هذه الظاهرة بعدالة.
* حماية الاقليات : من أهم أركان الفدرالية هو حماية الاقليات.
* الدستور الجديد، العمل على تعديل الدستور لتطبيق الفدرالية في إيران لا يقل عن صياغة دستورجديد كليا. إذا تنشأ في النهاية حكومات محلية في الأقاليم. أيضا يمكن صيغة الدستور بشكل  يكون بدون دول محلية، لكن تشكيل مجالس محلية للمناطق الفدرالية، مثل كردستان الجنوبية( هنا يعني كردستان العراق، المترجم). يمكًن بهذه الطريقة الأكراد و الاتراك الآذرين بالعمل على حل مشاكلهم. ينبغي أن يكون واضحا إن الفدرالية ستكون لمصلحة الجميع في إيران و أن لا يتصور طرفا ما بأن الفرس هم “الخاسرون” لأنهم “يتقاسمون” السلطة مع الآخرين . على الأكراد و الاتراك الأذرين إن يمضون قدما من اجل تحقيق هذه الخطة. فمن خلال عملية مدروسة و شفافة بالتأكيد ستخلق على أثرها جوا متلائما للمشاركة الفعالة من قبل الجميع.

إن فدرالية إيران ليس “بخطة إبحار” بمعنى إنها ليست مشكلة، لكن إلى الآن لم يظهر لها بديل جاد.

فدعونا نبدأ اليوم في العمل بها.  

المترجم : ألف- ميثاق

12.09.2010

الهوامش:

* البروفيسور الدكتور ه. سي. رولاند مونش(Professor Dr. H. C. Roland Mönch) استادا في جامعة اولدنبورغن ويلهلمس هافن(Oldenburg- Wilhelmshafen)، في مدينة امدن(Emden) في ألمانيا ، رئيس جامعة برمن السابق ، له بحوث في القانون الدولي، الدستور الاوربي، في القانون العام خاصة قسم الدستور، اركان حقوق الإنسان و القانون الأوروبي

شاهد أيضاً

القضية الأهوازية وانتفاضة تغيير النظام في إيران

ورقة صالح حميد في ندوة ” لا ديمقراطية بدون حقوق القوميات في إيران” لندن – …