منذ أكثر من عامين تفرض حكومة إقليم كردستان حصارا إعلاما شاملا على جبل قنديل نزولا عند الضغط التركي، بحيث لا تستطيع أي وسيلة إعلامية من الوصول إلى هناك، ولكن التحدي والإصرار على نقل الخبر اليقين من المصدر الأصيل دفع «الشرق الأوسط» إلى مغامرة غير محسوبة، في ظل توارد الأنباء اليومية عن قصف
مناطق الجبل، فاضطرت سيارتنا إلى سلوك طريق غير رسمي، يسمى هنا «طريق القجخجية»، ويقصد به الطريق الذي كان المهربون المحليون يستخدمونه في الأعوام الماضية للتسلل إلى إيران لنقل بضائعهم واستيراد بضائعها بعيدا عن أنظار جباة الضريبة، ورغم أن التجار والكسبة تخلوا عن هذا الطريق بفضل الانفتاح التجاري بين إيران والإقليم، وتدفق البضائع إليهما عن طريق المنافذ الحدودية الرسمية، ولكن للضرورة أحكام.
الطريق كان ترابيا وعرا جدا، واستمر سفرنا من هذا الطريق ساعة إضافية في هذا الجو الحار. وطوال الطريق الرابط بين ناحية «سنكسر» ومعقل المسلحين في جبل قنديل، كان اهتمامنا منصبا على شيء واحد، وهو التأكد من صدقية حكومة الإقليم في تبريراتها بعدم إمكانية اقتلاع مقاتلي حزبي العمال الكردستاني المعارض لتركيا، وبزاك الكردي المعارض لإيران، بسبب ما تدعيه بوعورة الطريق وتضاريس المنطقة، ومع اقترابنا من معقل حزب بزاك الكردي بجبل قنديل تأكدنا فعلا أن هذا الطريق لا يصلح لمرور الآليات والتجهيزات العسكرية لوعورتها، فالحيوانات، وخصوصا البغال، هي الوسيلة الوحيدة في كثير من الأحيان لإيصال المؤن والمواد الغذائية لمقرات هذين الحزبين.
بعد السلام على القائد الحزبي بمقره في منطقة بجبل قنديل، بادرناه بالإعراب عن قلقنا وخشيتنا من تحديد موقعهم، وصارحناه بالقول: «إيران تتذرع بأنها تقصف مناطق كردستان العراق بوجودكم داخل حدود الإقليم، والعرف الصحافي يتطلب منا أن نحدد مكان لقائنا بكم، ونحن نخشى أن نذكر اسم هذه المنطقة لكي لا نتسبب لكم في مشكلات، وخصوصا أنكم تدعون بالمقابل أنكم لا تستخدمون أراضي كردستان لنشاطات معادية لإيران، فكيف نخرج من هذا المأزق برأيكم؟».
رد القيادي شيرزاد كمانكر بالقول: «ولا يهمكم، فنحن فعلا موجودون إلى جوار حزب العمال الكردستاني بجبل قنديل، وهذا الجبل يربط حدود إيران والعراق وتركيا، وكان منذ القدم عاصمة للثورات الكردية، ومعقلا رئيسيا لقوات الثورة، ونحن في الأساس لا نعترف بالحدود المصطنعة التي رسمتها القوى الإمبريالية والاستعمارية والدول المعادية للشعب الكردي، ولكن مع ذلك أؤكد لكم أننا لا نستخدم هذه الأراضي لنشاطات عسكرية ضد إيران أو تركيا، هنا مقرنا السياسي، وكما ترى لسنا بداخل قرية معينة، بل شيدنا هذه البيوت الطينية في منطقة منعزلة ونائية، ولا فعاليات ولا نشاطات لنا هنا غير العمل السياسي، أما قواتنا المقاتلة فهي موجودة داخل العمق الإيراني، في عيلام وكرمانشاه وروانسر وموكريان وخوي ورضائية وسلماس، وهي مناطق تبعد بنحو 100 كم عن الحدود العراقية».
وفعلا، من خلال تغطياتنا لأخبار هذا الحزب الكردي الناشط في عملياته العسكرية بشكل ملحوظ ضد النظام الإيراني على عكس معظم قوى المعارضة لإيران التي لبعضها عمر طويل في النضال السياسي والعسكري داخل إيران، لاحظنا تركيز الحزب على النشاطات العسكرية بالعمق الإيراني، ولم تخض لحد الآن أي عمليات عسكرية قرب الحدود، ناهيك داخل أراضي كردستان العراق. ولاحظنا أيضا أن المقر الرئيسي لهذا الحزب، الذي يعتبر مقرا لقيادته، لا يتجاوز ثلاثة بيوت طينية مغروسة بين الأشجار بحيث يصعب اكتشافها، وكان عدد الموجودين في ذلك المقر لم يتجاوز عشرة أشخاص معظمهم من النساء المقاتلات.
ويخوض حزب الحياة الحرة الكردستاني، المعروف اختصارا بـ«بزاك» منذ تأسيسه عام 2004، نضالا مريرا ضد إيران، ويقول القيادي كمانكر عن ظروف نشأة هذا الحزب: «كانت هناك حاجة لدى الشعب الكردي لنشوء حزب ثوري يطرح رؤية جديدة للعمل الثوري، فالأحزاب الكلاسيكية داخل الساحة النضالية عجزت عن تحقيق أي مكاسب للشعب، وكانت إيران تصعّد يوما بعد آخر من سياساتها المعادية للشعب الكردي من خلال الاعتقالات وحملات الإعدام والتعذيب داخل السجون، وفي هذه الظروف طرحنا أنفسنا كحزب جديد لملء الفراغ الموجود، وقد استفدنا كثيرا من تجارب الأحزاب الكردية الأخرى في أجزاء كردستان الأربعة، وهذا ما ساعدنا على تحقيق الكثير من الانتصارات العسكرية ضد أجهزة القمع الإيرانية وضد الجيش، وأصبح وجودا يفرض واقعا جديدا على الساحة النضالية بكردستان إيران».
ويصر القيادي الكردي على أن حزبه لا يشكل بديلا عن الأحزاب الثورية الموجودة على الساحة الإيرانية، ولكنه يرفض الاعتراف بأنه جزء من حزب العمال الكردستاني. عندما سألته «الشرق الأوسط» أن الكثير من المراقبين السياسيين والإعلاميين يعتبرون هذا الحزب جناحا إيرانيا للكردستاني، فرد قائلا: «نحن نتبنى فلسفة وأفكار والمنهج الذي خطه الزعيم آبو (يقصد القائد الكردي عبد الله أوجلان)، للحركة التحررية الكردية، ولكننا لسنا جناحا أو جزءا من الكردستاني، حالنا حال جميع الأحزاب الشيوعية التي تتبنى الفكر الماركسي، ولكن فيها الماوي واللينيني وغيرهما، ولكن الجامع المشترك هو الفكر الماركسي، نحن أيضا لدينا قواسم مشتركة من الناحية الفكرية والآيديولوجية مع الكردستاني، ولكننا لسنا جزءا منه، لدينا علاقات نضالية وفي مختلف المجالات مع هذا الحزب، شأنه شأن الأحزاب الكردستانية الأخرى، ومع ذلك فنحن مستعدون للدفاع عن هذا الحزب أو أي جزء من كردستان الكبرى إذا تعرض للمخاطر والتهديدات، ولكننا نركز نشاطنا حاليا في الجزء الشرقي من كردستان وهو الجزء الإيراني».
سألناه: «إيران وتركيا تختلفان في كل شيء، ولكنهما يشتركان في عدائهما لكم وللحزب الكردستاني، وأنتم تتحدثون عن وجود تعاون وتنسيق متكامل بينهما في شن الحرب ضدكما، وهاتان الدولتان لا تتحرجان من الجهر بعدائهما المشترك لكما، فلماذا تخجلون أنتم من الإقرار بكونكم حزبا واحدا؟». وأجاب: «نحن لا نخجل من الجهر بذلك، ولكن للأسف هناك ضبابية في الرؤية تجاهنا، وهناك تشوش للصورة الواقعية ولطبيعة نشاطنا النضالي في الحزب، الكردستاني من حقه أن يدعو إلى توحيد الأجزاء الأربعة لكردستان، وهو حر في المناداة بأي شعار يريد رسمه لنضاله بما فيه شعار تحرير كردستان الكبرى، ولكننا في (بزاك) ننظر إلى الواقع الحالي بواقعية، ونعلم أن الظروف الدولية لا تسمح بتحقيق هذا الحلم، نحن نؤمن بفكر وفلسفة الزعيم (آبو)، ولكن ليس هناك أي ارتباط عضوي لنا مع الكردستاني، نحن نناضل في الجزء الشرقي ونتبنى منهجا يختلف عن الآخرين، ظروفنا في إيران تختلف عن ظروف بقية الأجزاء، حتى طبيعة الأنظمة الحاكمة في كل جزء تختلف بدورها عن الأجزاء الأخرى، وكما قلت لدينا مشتركات آيديولوجية، ولكن من الناحية السياسية والتنظيمية فليس هناك أي ارتباط بيننا وبينهم».
وسألناه: «هل بين مقاتليكم أعضاء من أجزاء كردستان أخرى، تركيا وسورية والعراق؟ قال: «نعم هناك الكثيرون منهم؟».
قاطعناه: «حسنا اعترفتم بذلك، لأننا عندما مررنا بسيطرتكم وجدنا مقاتلين يتحدثون اللهجة الكرمانجية الشمالية، وهذا دليل على وجود مقاتلين من أجزاء كردستان الأخرى، وهذا يفرض سؤالا وهو، أنكم تجمعون بينكم مقاتلين من جميع الأجزاء، وأنتم تحملون فكر وفلسفة أوجلان الذي يدعو إلى تحرير كردستان الكبرى، فكيف تقول إنكم لا تريدون تحرير بقية أجزاء كردستان، وتركزون نضالكم بكردستان إيران؟». أجاب: «كما أكدت لكم نحن نركز نضالنا في الجزء الإيراني، ولكن إذا تعرضت مصالح شعبنا الكردي في أي جزء آخر إلى الخطر أو التهديد، فنحن لن نتوانى عن الدفاع عنها، هل تتصور أن نقبل بحدوث حلبجة أخرى في كردستان العراق؟ هل نقبل بجرائم إبادة جديدة ضد شعبنا في أي جزء آخر من كردستان، طبعا هذا أمر غير مقبول، لأننا أساسا لا نؤمن بالحدود المصطنعة، ونعتبر شعبنا الكردي شعبا واحدا، وعلى هذا الأساس دعونا مرارا إلى وحدة الأمة الكردية، وسنظل نطالب بتحقيق هذه الوحدة لمواجهة الأنظمة الشوفينية التي تريد القضاء على وجودنا القومي».
وبسؤاله عن أنهم يشكلون صداعا لقادة إقليم كردستان، أجاب: «لا أعتقد ذلك، فنحن نتابع ما يحدث في إقليم كردستان، هناك بعض الأحزاب التي تعتبر وجودنا مشكلة، ولكن الشعب الكردي في الإقليم لا ينظر إلينا هذه النظرة، بل على العكس نشعر بأن الوعي القومي في المنطقة عموما وصل إلى مرحلة متقدمة، ونلمس ذلك من الإعلام المحلي، فعندما أعدمت إيران عددا من عناصر حزبنا مؤخرا، وجدنا استنكارا شعبيا كبيرا من شعبنا في جنوب كردستان، وهناك تعاطف كبير من الشعب في إقليم كردستان معنا».
قاطعناه: «ولكن من حق حكومة الإقليم أن تعتبركم مشكلة، لأن إقليم كردستان هو مؤسسة دستورية، وأن الإقليم جزء من الدولة العراقية، وأن نشاطاتكم ضد دولة جارة تخرق القوانين الدولية وتسيء إلى العلاقات الودية بين إيران والإقليم من جهة، وإيران والدولة العراقية من جهة أخرى، كما أن وجودكم يتسبب في قصف إيراني جوي ومدفعي لمناطق كردستان وهذا بحد ذاته يعتبر خرقا لسيادة العراق». فكان رده: «في البدء أؤكد لكم أن من يعتبر وجودنا هنا مشكلة، إنما يخادع نفسه، لأن الهجمات العسكرية والتوغل العسكري والقصف المدفعي لا يستهدف حزب (بزاك) أو الكردستاني. قبل نشوء حزبنا عام 2004 كانت هناك عمليات عسكرية إيرانية وقصف مدفعي وتهديدات إيرانية، فهل كنا سبب المشكلة؟ مع ذلك، فنحن نشعر بقلق الحكومة بهذا الجانب، ونحاول أن لا نتسبب في مشكلات لها، وأن نراعي ظروفها الداخلية والإقليمية، أما حين يعتبروننا سببا لمشكلة فهذا خطأ سيجرهم إلى أخطاء أخرى، ثم لا تنسى أن إيران تتدخل اليوم بشكل سافر في شؤون العراق برمتها، ولها يد طولى حتى في تشكيل الحكومات العراقية وعزلها، فإيران لها نفوذ كبير في العراق، فلماذا نستغرب محاولاتها للضغط على قادة الإقليم من خلال القصف والعمليات العسكرية وإلقاء تبعات ذلك على عاتقنا، وقد قلت آنفا إننا لا نمارس أي نشاط عسكري على الإطلاق انطلاقا من أراضي إقليم كردستان».
وحول الأحداث المتواصلة داخل إيران من حيث الاحتجاجات الشعبية، ودور حزب (بزاك) في تلك الأحداث، قال كمانكر: «إن ما حدث في إيران منذ العام الماضي، شكل انعطافة في النضال الشعبي الرافض للنظام الإسلامي، وهذا تطور مهم لم يحدث ذلك منذ ثلاثين سنة، ولكن المشكلة أن هذه الانتفاضة كانت بلا قائد، فلم تكن هناك قيادة موحدة ومؤهلة لقيادة تلك الحركة الشعبية، فخبت، أما دورنا كحزب معارض، فنحن بالأساس لا نؤمن بمبدأ وشعار قلب النظام، رغم أن النظام الإيراني فقد الشرعية بدليل الاحتجاجات المتواصلة منذ سنين، سواء الاحتجاجات السلبية أو خروج الشعب إلى الشوارع، نحن نرى أن التغيير الجذري يأتي من الشعب، ولكن هذا الشعب يحتاج إلى قيادة، والحركة الشعبية الإيرانية تعاني مشكلة هذه القيادة، ومن دونها لا يمكن إحداث التغيير المنشود».
قاطعناه: «ولكن موسوي وكروبي أثبتا حضورهما على الشارع الإيراني؟»، فأجاب: «موسوي وكروبي هما جزء من النظام، صحيح أن لديهما رغبة مؤكدة لإحداث التغيير، ولكنهما فشلا في جذب الشارع الإيراني وقيادة الانتفاضة والاحتجاجات.. صحيح أنها بدأت في البداية كرفض لترشيح أحمدي نجاد، ولكنها بالأساس كانت موجهة إلى صلب النظام، وكما قلت سابقا فإن مشكلة الحركة هي غياب القيادة الموحدة والمؤهلة، وكانت هناك تعددية القيادة للانتفاضة، وهذا ما سبب الإرباك الذي قاد إلى الخفوت، لذلك طالبنا بتشكيل جبهة وطنية واسعة تضم جميع القوى السياسية الإيرانية لقيادة المرحلة القادمة».
وحول التحشيدات الإيرانية على الحدود وتوقعاته بشن هجوم عسكري كبير على معاقل الحزبين الكردستاني و«بزاك» بالتعاون مع تركيا قال كمانكر: «التحشيدات موجودة ومستمرة على الحدود، والقصف المدفعي الإيراني والتوغل العسكري الأخير هو رسالة إيرانية إلى العالم لإظهار القوة فحسب، فإيران تريد من وراء ذلك إثبات قوتها، مقابل الضغوطات الدولية التي تتعرض لها جراء ملفها النووي، ولكني أود أن أذكر أننا كحزب (بزاك) لم نعلن إلى الآن الحرب على إيران، ولكن إيران هي التي أعلنت حربها ضدنا، وتحاول من خلال كسب تركيا إلى هذه الحرب أن تغير من المعادلات الإقليمية، وتثبت حضورها على الساحة الإقليمية بهدف صرف أنظار العالم إلى مناطق الحدود، كما هناك هدف آخر من هذه العمليات العسكرية الإيرانية، وهو إضعاف النفوذ الكردي ببغداد، فإيران تحاول من وراء ذلك تخويف قيادة الإقليم بهدف جرها إلى الجانب الشيعي، فلاحظوا أنه مع الأزمة الحكومية بالعراق بدأت القوات الإيرانية قصفها الذي وصل إلى حد التوغل العسكري.. صدقني إن المبررات الواهية بوجودنا هناك ليست لها أي مصداقية، فنشاطاتنا العسكرية كما قلت تتركز بالعمق الإيراني، فلماذا لا تهجم إيران على قواتنا بالداخل وهي منتشرة بكرمانشاه وعيلام وروانسر وأرومية وخوي وسلماس وغيرها، نحن موجودون هناك، فلتقصف المدافع الإيرانية مواقعنا هناك، لا أن تأتي إلى الحدود وتقصف المدنيين بهدف الضغط على حكومة الإقليم، هل تعلم أن إيران قصفت مراكز تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة السيد بارزاني، فهل نحن موجودون داخل مقرات ذلك الحزب؟». إيران تحاول من خلال جر تركيا إلى حربها على الحدود لكي تخرج تركيا من منطقة نفوذ وسياسات أميركا المعادية لها، والكل يعلم أن تركيا إذا تخلت عن إيران في هذه المرحلة فإن ظهرها سينكسر، لأن إيران لم يعد معها أي دولة غير تركيا، ولذلك تحاول بالوعود العسلية بالقضاء على حزب العمال الكردستاني المعارض لها، أن تدفع تركيا إلى شن حرب مشتركة ضد ذلك الحزب وضد حزبنا، نحن نعتقد أن إيران لو نجحت في ذلك فإنها ستهدد وجود إقليم كردستان برمته، تحاول كسب رضا تركيا بإبداء استعدادها لاقتلاع الكردستاني من على جبل قنديل، ولكن تصور أنه في حال عدم وجودنا ووجود الكردستاني في جبل قنديل، أليس هناك احتمال بتحوله إلى معقل للأحزاب الإسلامية المتطرفة مثل أنصار الإسلام. هذا احتمال وارد جدا، عندها كان وجود هذه الأحزاب المتشددة سيتسبب بأكبر التهديدات على إقليم كردستان، ووجودنا الحالي هو الذي يحول دون تحقيق ذلك، وحماية الإقليم من شرور الأحزاب الإسلامية المتطرفة».
سألناه: «تركيا تخوض حربا شرسة ضد الكردستاني، وتتلقى لذلك دعما أميركيا، بدليل وضع هذا الحزب في خانة المنظمات الإرهابية وتجفيف مصادر تمويله بناء على ضغط تركيا، وتعتبر أميركا تركيا دولة حليفة لها، ولكنها في الوقت ذاته تعتبر إيران أكبر عدوة لها، وأنتم حزب معارض لإيران، فلماذا لم تستغلوا هذا الجانب من أجل عقد علاقات مع أميركا لخدمة أهدافكم؟». أجاب القيادي: «نحن في الأساس نعتمد على دعم شعبنا في الداخل، وهذا لا يمنع أن نمد أيدينا لأي دولة أو قوة تساعدنا في تحقيق التغيير الديمقراطي في إيران، رغم أن الكثير من ثوراتنا التحررية ذهبت ضحية للمصالح الدولية، مع ذلك نحن مستعدون للتحاور مع أي دولة تريد مساعدتنا، وأميركا كانت من الدول الساعية إلى ذلك، ولكن المفاوضات بيننا فشلت منذ أول لقاء بيننا وبينهم بسبب الشروط التي أرادوا فرضها علينا، وهذا ما رفضناه بالمرة».
وحول تلك الشروط، أوضح: «أرادت أميركا أن نكون بيادق في حربها ضد إيران، تستخدمنا في أي وقت تشاء، ولكننا رفضنا ذلك، لأننا لسنا خداما لأحد ما عدا خدمتنا لشعبنا وهو ظهيرنا». وبتذكيره بأن الظروف تختلف الآن، وأنهم التقوا الأميركيين عام 2004، وكانت إيران في وقتها لم تملك هذا النفوذ الطاغي في العراق الذي يسبب المشكلات لأميركا الآن، كما أن إيران لم تكن تعادي المجتمع الدولي كما هو عليه الحال، ومن ثم سؤاله: «أليس هناك فرصة للمراجعة والتعاون مع أميركا؟»، رد القيادي قائلا: «صحيح أن الظروف السياسية تختلف عن المرحلة السابقة، لكن لا تنسى أن أميركا وضعت حزبنا في قائمة وزارة الخزانة الأميركية كقوة إرهابية، وهذا في وقت تعتبر إيران دولة إرهابية، وحزبنا يناضل من أجل تحقيق أماني شعبه، وهذا أمر مكفول بالقوانين الدولية، ونحن نلوم وسائل الإعلام الدولية بإهمال حزبنا ونشاطاته السياسية، فمنذ فترة نحن غيرنا من خطابنا السياسي، ونرى أن مشكلة إيران لا تنحصر فقط في ملفها النووي وتهديداتها للعالم، نحن لدينا في إيران الكثير من المشكلات التي نعانيها بسبب النظام الحالي، لدينا مشكلة الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الأقليات، ولذلك فإن من يريد مساعدتنا لتحقيق أهدافنا وحل قضايانا بالداخل فأهلا به، أبوابنا مشرعة أمام الجميع، ولكن دون فرض شروط مسبقة للتعاون».
وردا على سؤال عن سبب عدم عودة زعيم الحزب عبد الرحمن حاجي أحمدي، الذي تعرض في أوروبا مؤخرا إلى الاعتقال والضغط، إلى المنطقة ليقود نضال الحزب، أجاب القيادي: «البعض يجهلون طبيعة القيادة في حزبنا، نحن في الحزب نعتمد قيادة جماعية، وأحمدي موجود في أوروبا لقيادة النشاط السياسي، فأوروبا مهمة بالنسبة إلينا، خصوصا في إدارة شؤون علاقاتنا الدبلوماسية، وهنا لدينا قيادة عسكرية تقود نضال الحزب، نحن وهم يكمل بعضنا بعضا، وإذا ما رأينا أن هناك حاجة لعودة أحمدي، فسيعود بالتأكيد، ولكننا نفضل الآن بقاءه هناك لقيادة الجانب السياسي للحزب».
وحول المساعدات الخارجية، وخصوصا أن هناك اتهامات للحزب ولرئيسه بتلقي دعم إسرائيلي، قال القيادي في حزب «بزاك»: «هذه تهمة جاهزة دوما، وشماعة يعلق عليها البعض إخفاقاتهم العسكرية والسياسية، ولقد تعودنا في الحركة الكردية مثل هذه الاتهامات التي تصفنا مرة بالعمالة وبالسعي للانفصال وما إلى ذلك، لكننا في الأساس لسنا بحاجة إلى دعم أي دولة من الناحية العسكرية، لأننا نعيش في الشرق الأوسط، وما أسهل على الشخص هنا أن يشتري السلاح ومهما كان نوعه، في العراق مثلا تستطيع أن تشتري أي سلاح تريده، نحن لسنا خدما لأحد، ولذلك نرفض كل تعاون مشروط بمواقف معينة، نعتمد على شعبنا، ولا نمانع بالتعاون مع أي دولة أو طرف يساند نضالنا المشروع».
بعد انتهاء لقائنا مع شيرزاد كمانكر، القيادي في حزب «بزاك»، دعانا إلى مأدبة غداء بسيطة، سماها مأدبة «غداء البيشمركايتي»، وهي عبارة عن أرز مطبوخ من غير مرق، خالٍ من اللحوم، وجلست معنا مقاتلات الحزب للغداء، وبعد الانتهاء من الغداء ارتشفنا الشاي معهم، فبادرنا بسؤال المقاتلة «بيريفان»، وهي من كردستان تركيا عن أولوية نضالها كامرأة أو ككردية، وأيهما يتقدم على الآخر، تحرير كردستان أو تحرير المرأة، فأجابت: «تحرير المرأة جزء من تحرير الأرض الكردستانية، من دون تحرير المرأة لا يمكن خلق مجتمع متحضر يدرك أهمية تحرير الأرض، ولكن ظروف النضال تتطلب منا أولا النضال من أجل تحرير الأرض، فعندما نحرر أرضنا سنتمكن من بناء المجتمع الذي نريده، صحيح أن النظام الإيراني يتنكر لكل الحقوق الإنسانية بما فيها حقوق المرأة، ولكني رفعت السلاح أولا لتحرير الأرض، وهناك الملايين من النساء يناضلن حاليا ضمن الحركة الشعبية بالداخل من أجل نيل حقوقهن الإنسانية، نحن يكمل بعضنا بعضا، ووجودي حاليا في الجبل في خضم النضال السياسي والعسكري ضد النظام هو تعبير عن حاجة المرأة الإيرانية إلى التحرر من الاحتلال ومن النظام الإسلامي المتخلف الذي يهضم حقوق شعبي وحقوقي الشخصية كامرأة».
يذكر أن عائلة بيريفان تسكن في ألمانيا، وهي تعيش في جبل قنديل، حيث لا تشعر المرأة كثيرا بأنوثتها هناك بسبب انخراطها مع رفاقها في العمل العسكري، ولكن بيريفان تشعر بالراحة وهي تمسك ببندقيتها التي تقول أنها لا تبادلها بأي شيء آخر حتى تتحرر كردستان.
بعد أن أنهينا اللقاءات وعزمنا على العودة، ظهرت عدة طائرات إيرانية وهي تستطلع المنطقة التي كنا بها، ولكن المضادات الأرضية للحزب تصدت لتلك الطائرات التي عادت أدراجها، ولم يطل الوقت حتى بدأت المدفعية بقصف المنطقة، ويبدو أن الطائرات وجهت تلك المدافع إلى أهداف معينة، بضمنها المقر الذي كنا به، مما أدى بقائد المقر كمانكر إلى توجيهنا بالتفرق والاختباء تحت الأشجار، ولكن الدليل الذي كان معنا طلب منا سرعة الوصول إلى السيارة التي كانت واقفة على مسافة 500 متر لكي نهرب من القصف، وقال: «القصف سيشتد وسننحصر هنا، فأسرعوا بنا لنعود إلى السيارة». وفعلا وصلنا إلى السيارة واخترقنا الطريق الترابي الذي جئنا منه، ولكن لاحظنا سقوط عدة قذائف مدفعية في مناطق قريبة من المقر الذي كنا به، وتسببت في اندلاع النيران ببعض البساتين والأشجار في المنطقة.