تجاهل لغة الأم وتدمير التنمية في إيران

تجاهل لغة الأم وتدمير التنمية في إيران

بقلم :محسن رناني – أستاذ الاقتصاد بجامعة أصفهان وباحث في مجال التنمية

ترجمة : جابر احمد

هذه الرسالة كان قظ بعثهاالكاتب إلى المؤتمر الثاني لتنمية العدالة التعليميةوذلك بتاريخ 29 ديسمبر 2016

الا ان هذه الرسالة شأنها شان الرسائل والمناشدات الاخرى حول اهمية تدريس لغة الام ا القيت في سلة المهملات من قبل القائمين على امور التعليم في الجمهورية الاسلاميةالايرانية وفيما يلي الترجمة الكاملة لهذه الرسالة

لقد بدأنا منذ 110 اعوام ومع انطلاق الثورة الدستورية ومن مرحلة الصفر في إرساء قواعد الدولة الحديثة والعمل على إدخال مجتمعنا إلى عالم الحداثة. ولكن مع ذلك، لا يزال النظام في إيران – سواء قبل الثورة الإسلامية أو بعدها – بعيدًا كل البعد عن تحقيق الدولة الحديثة، ولا يزال مجتمعنا يعيش حالة من الارتباك رغم اننا في المرحلة الانتقالية خطونا خطوات للأمام، لكننا لا نزال بعيدين كل البعد عن تحقيق الهدف المنشود. فلا وضع دولتنا الحالي هو شبيه بالدولة الحديثة السائدة، ولا سلوك مجتمعنا هو سلوك المجتمع الحديث .

وللأسف بقينا في هذه الفترة التي مضت لم نكن نعرف فيها ماذا نريد وماذا لا نريد لان من الضروري المعرفة.

ان التخطيط الذي كنا قد قمنا به لعملية للتنميةكان فاشلا الى حد كبير . ولعل الخطأ هو أننا لم نفعل شيئًا على الإطلاق سوى استنزاف جزء كبير من مواردنا الطبيعية بما في ذلك المناجم، والنفط، والمياه، والغابات؛ ورغم ذلك، ما زلنا نراوح في مرحلة ما قبل الحداثة. وباختصار: ما زلنا في مرحلة بعيدة كل البعد عن التنمية لان مواردنا التي من المفترض ان تساعدنا على انجاز عملية التنمية هي على وشك النفاذ.

لقد جربنا جميع المسارات التي اعتقدنا أنها ستقودنا إلى الحداثةو التنمية. فقمنا بتطوير الطرق وبناء الجسور، ومددننا خطوط السكك الحديدية، وجلبنا الكهرباء، وبنينا سدودًا كثيرة، وأدخلنا التعليم الحديث، وفتحنا الجامعات في اغلب الاقاليم و بنينا المدارس في القرى والارياف النائية . وأدخلنا صناعة المونتاج، وركزنا على الانتاج الداخلي وقللنا الواردات وشجعنا ودعمنا الصناعات المحلية، وابتعدنا عن تحديد الأسعار، وفرضنا الحصص، وأعطينا الدعم ثم قمنا بتحرير السوق بشكل واسع. وشجعنا الصادرات، وقلصنا الواردات، وعُدنا مرة أخرى نحو الاقتصاد المفتوح. لكن رغم كل ما فعلنا، لم يتغير شيء سوى أن مواردنا استنفذت وتدمرت وتبخرًت وحتى لم نعرف أين هي أخطأنا؟

و لأنعرف من هي الجهة المسؤولة عن ذلك ، ولكن كانت النتيجة هي أننا لم ننتج أفرادًا مؤهلين على مدار هذه السنوات يكونون قادرين على دفع عملية التنمية في هذا البلد إلى الأمام. ، فكنا على الدوام نواجه نقصًا خطيرًا في اليدالعاملةالماهرة وحتى عندما كانت معدلات قبول الطلاب لدينا من أعلى المعدلات في العالم. اعتقدنا أن وجود عدد كبير من الجامعات سيحل مشكلة الموارد البشرية لدينا، لذا قمنا بمضاعفة جامعاتنا بشكل غير معقول. تمام .

لقد ادخلنا قبل سبعين عامًا نظام التعليم الحديث على نطاق واسع واعتقدنا أن مجرد تخرج ابناءنا من المدارس التقليدية وجلوسهم خلف المكاتب وهم يتكلمون بلغة موحدة يكفي لتربية إنسان حديث وسنكون قادرين على تحقيق عملية التنمية.

واليوم، بقينا ندير مدارسنا بنفس الطريقة التي كانت سائدة في العهود الماضية وكان خطأنا الأكبر هو كوننا ركزنا على تطوير ذاكرة أطفالنا وليس على تطويرشخصياتهم. لقد طورنا نظامًا تعليميًا قائمًا على الذاكرة لمدة سبعين عامًا بشكل ميكانيكي، في حين أن الأشخاص المبدعين والقادرين على تحقيق التنمية يتم تربيتهم عندما يجتازون نظامً تعليميً قائمًا على العلاقات. كما قمنا بتخريج اشخاص لديهم مهارات علمية عالية جدًا ولكن يفتقدون الى اقامة العلاقات الاجتماعية الجيدة .

كما هو معلوم اننا استوردنا النظام التعليمي من الغرب ونفذناه . مع أن الغرب ومنذ اكثرمن قرنين ادرك خطاءه في هذا المجال وبدأ في بإصلاح نظامه التعليمي الخاص بالأطفال.

ويجب ان لاننسى ان النظام التعليمي القائم على الذاكرة كان ناجحًا في الغرب. وذلك لأن الأسرة الغربية كانت قد مرت بتحولات فكرية واسعة لمدة قرتين من الزمن وهذا التحول أدى إلى تغيير شامل بالنظام الفكري والسلوكي للأسرة الغربية وأتاح الفرص اللازمة لتربية أطفال لديهم قدرات اتصال قوية وشخصيات ناضجة في الأسرة.

وبالتالي، على الرغم من أن المدرسة كانت تركز على التعليم وعلى الذاكرة، إلا أن ذلك لم يدمر شخصيات أطفالهم.

نحن أيضًا اتبعنا نفس المسار، ولكننا نسينا أن الأسرة في إيران لم تمر بمثل تلك التحولات الفكريةوذلك منذ مائتي عام، وبالتالي لم تُزرع البذور الأولية للقدرات التي من شانها ان تحقق عملية التنمية في عقول ولغة الأطفال. لذلك تم فقدان الأمل بدور الأسرة وكان علينا أن نعد كل شيء في المدرسة؛ ولكن للأسف، تحولت مدارسنا إلى مصانع تنتج بشكل ميكانيكي أفرادًا متعلمين ذوي ذاكرة وقدرات عقلية قوية. ولكن ما أغفلناه طوال سبعين عامًا هو شخصية الأطفال الذين كنا نتوقع أن يكونوا قادرين على تحقيق عملية التنمية عندما يكبرون، ولكن هذا لم يتحقق

لاننا لم نمنحهم الامكانيات الكافية في طفولتهم.لتحقيق ذلك .

و هذا لم يكن خطائنا الكبير الوحيد. الذي ارتكبناه وانما ارتكبنا خطأ فاحش آخر وهو اننا استبعادنا نصف سكان بلادنا من المشاركة الفعالة والملائمة في عملية التنمية. وذلك لاعتبارات سياسة خاطئة تمامًا ولا بل عنصرية، فلم نحاول جمع أو نشر أي إحصاءات رسمية عن نسبة السكان من الأقليات اللغوية والعرقية في بلادنا. ومع ذلك، تشير التقديرات المختلفة إلى أن سكان إيران من غير الناطقين باللغة الفارسية يشكلون ما بين 42 إلى 49 في المائة من السكان لكننا خلال السبعين عامًا الماضية، أجبرنا أطفال ما يقارب من نصف سكان بلادنا، وهم الأقليات غير الناطقة باللغة الفارسية، على تعلم اللغة الفارسيةوذلك منذ الصف الأول الابتدائي و

اجبرناهم على تلقي التعليم باللغة الفارسية . في حين ان المراحلة الاولى لعملية التنمية في أي بلد من البلدان تبدء من مرحلة الطفولةوخلال مرحلة الدراسة الابتدائية وما قبلها. وكان خطاءنا ان كل ما نريده لمستقبل بلادنا يجب أن نزرع بذوره في هذه السن وذلك من خلال الفرض الاجباري للتعليم باللغة الفارسية وفرضه عنوة على الأطفال الذين ليست لغتهم الأم الفارسية وهذا ما يجعلنا ان نعرضهم لتوقف يستمر لعدة سنوات وذلك في مرحلة تعد أهم مرحلة من مراحل سنوات حياتهم وهي عملية تكوينهم الاجتماعي. وفي هذا المجال تفيد الإحصائيات أن 67 في المائة من طلاب الصف الأول والثاني الذين يعانون من الفشل ينتمون إلى 9 اقاليم ثنائية اللغة على مستوى البلاد

فوجود مثل هذه المشكلة انه عندما يتأقلم الأطفال الإيرانيون من غير الناطقين باللغة الفارسية مع اللغة الفارسية ويتعلمونها، يكونون قد فقدوا مراحل سنوات مهمة من الطفولة، وهي المراحل الحاسمة للتعلم والتدريب على الامور التي يحتاجون إليها لاحقًا لكي يتسنى لهم المشاركة الفعالة والمستمرة في عملية التنمية.

 

وبقينا لم ندرك حتى الان أن لغة الأم ليست مجرد لغة للحديث،فقط بل هي لغة العاطفة، لغة الشعور، ولغة الحياة الفردية. ان لغة الأم هي اللغة الداخلية للإنسان فعملية التفكير تحدث أولاً باللغة الداخلية لكل فرد ثم تُترجم إلى لغته المنطوقة. من هنا قد أظهرت الدراسات أن الأطفال من الجماعات الثنائية اللغة الذين تعلموا لغتهم الأم جيدًا يكون لديهم دماغ أكثر قدرة على معالجة المعلومات العاطفية وفهم المعاني. في الواقع، فمن خلال عدم تعليم اللغة الأم وفرض اللغة الفارسية على الأطفال الذين ليست لغتهم الأم هي الفارسية توقف في نفس سن الطفولة عملية نضج لغتهم الداخلية ولغة تفكيرهم، ويضطرون لتحمل ضغوط نفسية وعاطفية كثيرة، وبعد تأخير عدة سنوات، يصبحون في النهاية قادرين على التفكير والتحدث باللغة الجديدة المفروضة عليهم. ولكن ما يفقدونه في هذه الأثناء هو الفرص لتنمية أبعادهم التربوية والوجودية التي تشكل قدراتهم الاتصالية والتنموية.

 

فالنقطة المهمة هي أن اللغة هي ظاهرة أو نظام (عاطفي)، أي أنها ظاهرة تطورت بشكل طبيعي وبدون تدخل بشري واعٍ ووصلت إلى نظام ذاتي الدفع. في الظواهر العاطفية ،فتعلمها يتم باستخدامها وتطبيقها، وتحليلهااولا ومن ثم تحدبد مكوناتها. يتم ثانبا

فإذا كانت اللغة ظاهرة عاطفية ، فعلينا أن نستخدمها ونزيد من قدرتنا على استخدامها إلى الحد الأقصى. ثم ننتقل إلى تعلمها وتحليلها. .

 

فعندما نخرج الطفل من بيئة لغته (لغة الأم) وندخله في التعليم الإجباري للغة الفارسية، فإنه لم يصل إلى نقطة النجاح في عملية تعلمه العاطفي للغة الأم، أي إلى النقطة التي يكتمل فيها النمو الكامل للتحدث والإدراك. وهذا يعني أن جزء من المشاعر والعواطف الذي يجب أن تنضج بشكل كامل بمساعدة اللغة الأم لا تكتمل، وبالتالي يتوقف فعليًا تطور القدرة على التحدث بالغة الأم عند الطفل، مما يعني أن لغته الداخلية التي هي أيضًا لغة تفكيره لا تصل إلى أقصى قدرتها. ثم يُجبر هذا الطفل المسكين على تعلم اللغة الفارسية أولاً، ثم تعزيز القدرة على التفكير باللغة الفارسية ثاتبا.

ولعل هذا هو الخطا الجسيم الذي ارتكبناه على مدار سبعين عامًاالماضية بحق الأطفال من الأقليات غير الناطقة بالفارسية، ووضعناهم في وضع غير متكافئ في المنافسة للحصول على الفرص الاجتماعية والاقتصادية مع الناطقين بالفارسية.

وفي الواقع، من خلال فرض التعليم باللغة الفارسية، فأننا نقوم عمليا بإبطاء وايقاف عملية نضج الذهن والشخصية لنحو نصف سكان البلاد لعدة سنوات، وندمر الفرص لدى الاطفال غير الناطقين بالفارسية لصالح الأطفال الناطقين بالفارسية. وبهذه الطريقة، نقلل من الفرص العامة للمشاركة في عملية التنمية في الاقاليم التي يشكل سكانها الاغلبية من الناطقين بالفارسية . ربما يكون جزء من الفجوة وعدم التوازن التنموي بين المحافظات المركزية واقاليم الاطراف في بلادنا ناتجًا عن هذه المشكلة. بمعنى أنه على الرغم من تخصيص ميزانيات مناسبة في الماضي لتطوير بعض الاقاليم المحرومة، فإن تلك الاقاليم لا تزال محرومة.

في الواقع، والسبب هو أننا، من خلال فرض اللغة الفارسية على أطفال الاقاليم ثنائية اللغة، خلقنا توقفًا لمدة عدة سنوات في عملية تكوين الشخصية والقدرات للأطفال في هذه الأقاليم ، وهذا قد يكون بداية لتوزيع غير عادل للفرص بين الموارد. بالإضافة إلى أنواع الظلم السياسي والاجتماعي والثقافي.

من هنا، فإن هذا الشكل من الظلم في مجال التعليم الذي فرضناه بشكل ناعم وبدون ضجيج على الأقليات غير الناطقة بالفارسية في إيران على مدار السبعين عامًا الماضية. هوظلم مدمر .

 

فلغة الأم مثل الهندسة المعمارية المحلية. هل من المعقول أن ندمر جميع المنازل الريفية أو المباني المحلية في المناطق المختلفة والمدن التاريخية في البلاد لأن هندستها المعمارية ليست مثل تلك الموجودة في طهران؟ إذا كان الجواب لا، فلماذا إذن نفعل نفس الشيء مع اللغات الأم للأقليات، التي هي جزء من التراث الحضاري وثروة المجتمع باسره فالقضاء على اللغة الأم لا يختلف عن إبادة الجنس والنزعة العنصرية. فالمجتمع الذي يريد فرض لغته على جميع اللغات الأخرى هو في الحقيقة مجتمع عنصري كونه يريد فرض لغة يعتبرها متفوقة على لغات الآخرين. ولا يهم إذا كان يريد أن يعطي الأولوية لعرق معين على حساب الآخرين، أو لغة معينة، أو دين معين، أو أيديولوجية معينة، فكل ذلك يعني نوعًا من العنصرية.

اما التناقض الذي نعيشه، فنحن من من جهة ننفق الكثير من المال للحفاظ على النقوش والآثار التاريخية البالية ، ومن ناحية أخرى ننفق الكثير من المال للحد من إضعاف اللغات الأم الحية للأقليات غير الناطقة بالفارسية في إيران.

ان تدمير اللغة يؤدي إلى تدمير الثقافة، وتدمير الثقافة يؤدي إلى تدمير الهوية. وعندما تُدمر الهوية، يحل محلها الكراهية والعنف من هنا تعتبر لغة الأم هي أداة لتوسيع رأس المال الاجتماعي، وان تدميرها يعني تدمير رأس المال الاجتماعي. لقد اعتقدنا أنه من خلال تعميم اللغة الفارسية في الاقليات غير الناطقة بالفارسية،سيساعد على تعزيز التماسك الاجتماعي. ولكن ليس هذا هو الحال. فاللغة المفروضة تخلق نوعًا من المقاومة الداخلية في المتعلم وتجعله مستعدًا للانتقام من المجموعةالتي فرضت عليه تلك اللغة.في الوقت والزمن المناسبين.

وبشكل عام، ان النظام التعليمي الحالي المفروض على القوميات الاخرى في إيران يبدأ فيه التعليم من السنة الأولى من المدرسة الابتدائية ويتجاهل الاهتمام بتنمية أبعاد الطفل الوجودية في المرحلة التي يجب أن تتشكل فيها القدرات البيولوجية والسمات الشخصية التنموية للطفل، وتتعزز قدراته على التواصل عبر تطوير ذكاؤه الاجتماعي. فالنظام التعليمي الراهن يشغل الطفل بتعلم أشياء لا يحتاجها في هذا السن المبكر وهو يفرغ طاقته وقدراته في هذا المسار. وفي النهاية، بعد فترة تعليمية مدتها 12 عامًا، يخرج شباب مليئين بالمعلومات العلمية ولكنهم بفتقدون للقدرات اللازمة للتواصل مع شؤون للحياة الإنسانية الغنية . وللأسف، ان هذه العملية المدمرة تكون أشد قسوة على أطفال الأقليات غير الناطقة بالفارسية. لان هؤلاء الأطفال في الفترة التي تشكل آخر فرصة لنضج الأبعاد الشخصية والسلوكية للإنسان، يواجهون ثلاث موجات من الضغوط الحياتية والاجتماعية الشديدة في حياتهم: أولاً، الضغط الناتج عن دخول المدرسة والمجتمع الكبير خارج الأسرة؛ ثانيًا، الضغط الناتج عن تعلم لغة غير لغة الأم، وهي الفارسية، التي لم يكن لديهم أي خبرة سابقة عنها؛ وثالثًا، الضغط الناتج عن الدخول في المرحلة التعليمية الرسمية. أي أن الطفل يجب أن يدخل المجتمع الكبير، ويتعلم لغة غير لغة الأم وهي (الفارسية)، لكي يحصل على المعرفة العلمية في الوقت. نفسه نتجاهل الكارثة التي تحدث بحق أطفال بلادنا بهذه الطريقة؟ وما الأضرار التي نلحقها بقدراتهم الوجودية والحياتية والاجتماعية؟

فالانفصال عن استخدام اللغة الأم يعني قطع العلاقة العاطفية للطفل مع بيئته، وتقييد قدرته على التعبير عن عواطفه وأحاسيسه كما تتوقف لديه عملية نضج مفاهيمه وإدراكاته. تمامًا ومثلما عملية قطع النسل البشري عمل غير أخلاقي، فإن إيقاف أو عدم تعليم اللغة الأم وفرض لغة أخرى على الأطفال يعتبرهو الاخر نوعًا من فتل الشخصية وهو عمل غير أخلاقي تماما.

التعليم الإجباري للطفل بلغة غير لغة الأم يؤدي إلى قطع العلاقة التعليمية بين الأم والطفل، وبالتالي يتم تهميش الأم في عملية نضج مفاهيم وإدراك الطفل.

ويستغرق هذا الأمر وقتًا طويلاً وتضيع الفرص وتنتج عنه تكاليف نفسية وعاطفية كبيرة يتحمل عبئها هؤلاء الأطفال الأبرياء حتى يتمكنوا من استعادة أنفسهم ووضع عملية نضج مفاهيمهم وإدراكاتهم في مرحلة الإبداع. لان اللغة هي أداة تكاملية لفهمنا. وقطع اللغة يعني قطع عملية نضج التفكير لدى الأطفال مما يعتبر ظلمًا وانتهاكا لحقوقهم الإنسانية. وعليه أعتقد أن ما ارتكبناه من اخطاء خلال السبعين عامًا الماضية بحق غير الناطقين بالفارسية ليس استبدادًا سياسيًا وحسب وانما هو استبدادًا لغويًا وحسب بل هو أشد قسوة وألمًا منه بكثير.

ولايمكننا الحديث عن عملية تنموية حقيقية في عموم. اقاليم البلاد، دون احترام الحياة الطبيعية لجميع الأقليات غير الفارسبة ومنحهم حق التدريس بلغاتهم والاعتراف الرسمي بها.

و أن هناك فوائد جمة لهذا التنوع اللغوي، على سبيل المثال، في سويسرا توجد فيها ثلاث لغات رسمية، وفي جنوب أفريقيا هناك إحدى عشرة لغة رسمية.

قد يُقال إن دستورنا ينص على أن اللغة الفارسية هي اللغة الرسمية الوحيدة لدينا، وأن أي تحول في هذا المجال يتوقف على تعديل الدستور. ولكن دستورنا في المادة الخامسة عشر يسمح بتدريس الأدب باللغة المحلية والقومية في المدارس. ما علينا فعله الا اتخاذ القرار باستغلال هذه الفرصة وتحقيقها.

وعليه اقترح على منظمو “المؤتمر الثاني لتنمية العدالة التعليمية ان يولي ميثاق المؤتمر مسقبلا في سياساته الوطنية تغطية الغالببة العظمى من المدارس الابتدائية في الاقاليم الثنائية اللغة و هذه سياسة جيدة، ولكن نظرًا للصعوبات المالية التي تواجه الحكومة والتي ستزداد في المستقبل، فإن احتمال تحقيقها صعب الا ان هذا هدف وغاية مطلوبة ويحلم بها الجميع

و هوليس صعب المنال خاصة اذا تم توفير خدمات تعليمية شاملة في مرحلة ما قبل المدرسة لجميع الفئات السكانية والأعراق المختلفة وهذا يتطلب تنظيمًا واسعًا ورصد ميزانيات كبيرة و مشاركة واسعة جدًا من قبل القطاع الخاص، ويبدو أن تحقيق ذلك ليس بعيد المنال.

فإذا كانت حكومة الجمهورية الإسلاميةترى نفسهاانها ملتزمة بعملية التنمية، فيجب عليها أن تبدأ بإحداث تحولات جوهرة في مجال التعليم الابتدائي اعتبارا من العام القادم و لتحقيق هذا الغرض، يمكننا الاستفادة من القدرات الحالية المتوفرة لدى وزارة التعليم في البلاد. حيث يتمتع جميع الأطفال في سن التعليم الابتدائي بإمكانية الوصول إلى المدارس.و أهم خطوة يجب أتخاذهافي هذا المجال هي اتخاذ قرار بتغيير منهاج نظام التعليم الابتدائي من نموذج قائم على التعليم إلى نموذج قائم على التربية. علينا أن نقبل أن سنوات المدرسة الابتدائية هي سنوات التربية، ويجب أن يصبح التعليم في هذه المرحلة مسألة ثانوية. على الرغم من أنه لا يمكن تحقيق مثل هذا التحول في عام واحد، إلا أنه إذا قبلت وزارة التعليم مبدأ هذا التحول، يمكن أن يتحقق خلال عملية تستمر ست سنوات، على سبيل المثال، يمكن تحويل كل عام دراسي من النموذج القائم على التعليم إلى النموذج القائم على التربية.

قد يكون من الصعب ومكلف تحقيق هذا التحول في جميع أنحاء البلاد وفي نفس الوقت. ولكن يمكن أن تبدأ هذه الحركة في بعض الاقاليم الثنائية اللغة وبعد تجربة سنة أو سنتين يمكن تعميمها تدريجيًا على باقي الاقاليم الثنائية اللغة، ثم على جميع الاقاليم في البلاد.

ان تحول نهج نظام التعليم الابتدائي من نموذج التعليم إلى نموذج التربية يتيح الفرصة في المحافظات الثنائية اللغة لتنفيذ البرامج المتعلقة بتربية وتنمية القدرات الشخصية والاجتماعية للأطفال في هذه المحافظات بلغاتهم الأم. قد يكون من المناسب أنه في المحافظات الثنائية اللغة، في السنوات الثلاث الأولى من المرحلة الابتدائية، أن يتم التركيز على تربية الأطفال من حيث نمو القدرات البيولوجية والشخصية وتطوير قدرات التواصل الاجتماعي، باستخدام لغاتهم الأم. في هذه الفترة يمكنهم أيضًا تعلم الثقافة والأدب بلغتهم الأم، مما يتيح لهم فرصة الاقتراب من حدود التعرف على لغتهم الداخلية ولغة تفكيرهم. بعد ذلك، من السنة الرابعة، يمكن أن يبدأ تعليم اللغة الفارسية بشكل تدريجي، بحيث يتعلم هؤلاء الأطفال القراءة والكتابة باللغة الفارسية حتى نهاية السنة السادسة الابتدائية، وعند دخولهم المرحلة الاعدادية ، يمكنهم متابعة تعليمهم العلمي بالكامل باللغة الفارسية.

بالنسبة لي،ان أحد المعايير المهمة في الحكم على مدى التزام الحكومات بالتنمية هو طريقة تعاملها مع الأقليات في هذين المجالين، حيث تظهر بشكل واضح شخصية الإنسان وكرامته وحقوقه أمام السلطة والقانون، مما لا يجعله معرضًا للإهانة والظلم.ولكن للأسف، فاننا في العقود الثلاثة الماضية، لم يكن لدينااي سجل إيجابي في هذه المجالات. ليس لدينا وقت كثير، والآن حان الوقت المناسب لوضع حد لهذا النوع من الظلم.

ان إيران من حيث التنوع الثقافي والقومي والديني هي بمثابة لوحة ملونة جميلة و إن إلغاء أي لون من ألوان هذه اللوحة يعتبر خطوة نحو تشويه جمالبة هذا للوحة وان الحفاظ عليها لا يتم الا عبرتعاون ومشاركة الجميع لذا في الخاتمة اقول:

عاشت ،هذه اللوحة

عاش التنوع الثقافي واللغوي

المص


در: قناة تلغرام محسن رناني

Check Also

نظرة على مضمون معاهدات أرضروم  

نظرة على مضمون معاهدات أرضروم بقلم: د. عبد الله حویس (أستاذ التاريخ والاستشراق بجامعة بوخوم …