ياسر الأسدي
تتكرر كل مرة في مناسبة عيد النيروز في إيران إساءة متعمده وعنصرية تأتي اما عبر تصريحات استفزازية ومهينة من اعلي مسولين في السلطة في إيران او من بعض أدواتها خصوصا الإعلامية تجاه عرب الاهواز تسعي لنفي وجود هوية عرب الاهواز ووجودهم التاريخي على ارضهم واعتبارهم ناس غرباء وخارج من خارطة إيران السياسية والاجتماعية. هذا الامر اذ دل على شيء فانه يدل على ارتقاء المشاعر العدائية والعنصرية من الشارع الي السلطة في إيران وسقوط القناع عن خطاب الاخوة والمساواة التي كان يردده ويتناغم به النظام الإيراني اثناء وبعد الثورة في إيران. في هذا العام أيضا تكرر مرة اخري خطاب التشوية والتضليل والكراهية عبر دعاية تلفزيونية لعيد النيروز حيث عرضت القناة التلفزيونية الثانية والتابعة للسلطة مقطع من انتاج القناة لطفل يضع نماذج ترمز الي الأعراق الاثنية في إيران على الخريطة الجغرافية الا انه في المقطع يتم تجاهل الوجود العربي في الاهواز وبدلا عن ذلك يضع الطفل نموذج من قومية اللر الوافدة والمستوطنة في الاهواز بدلا عن سكان الأصليين العرب. هذا الامر اثار غضب واستغراب ليس فقط عرب الاهواز بل الكثير من النشطاء الحقوقيين والمؤسسات المجتمع المدني التي اعتبروه امرا شنيعا ولم يأتي بالصدفة عبر هكذا قناة تديرها و تمولها السلطة حيث اعتبر هؤلاء ان هذا السلوك هو منافي لجميع حقوق المواطنة والقيم الإنسانية في العالم. تقول الناشطة ريهام إحدى ناشطات في المجال الثقافي والنسوي في الاهواز ان هذا المقطع اظهر بشكل جلي تناقض السلطة خصوصا سلطة رئيس الجمهورية السيد روحاني مع نفسها بانها تمثل وتعترف بحقوق جميع الشعوب وفئات المجتمع وان شعار المجتمع المدني التي تتبناه حكومة روحاني لم تقبله و لم تتبناه الحكومة اصلا وفي المحصلة لا يمكن ان ترسخه كفكرة إنسانية نبيلة في المجتمع الايراني حيث يجب قبول الفكرة قبل ان يتمكن من نشرها. وتتساءل ريهام كيف يرقي لنظام ان يطالب منظمة الثقافة العالمية يونسكو بالاعتراف بعيد النيروز عالميا بينما حكومة إيران العضو في اليونسكو لا تعترف بهوية شعب أكثر من خمسة ملايين نسمة يعيش على ارضة منذ الاف السنين.
يقول الناشط منصور الأهوازي من مدينة المحمرة اننا كنا نتوقع ان يقوم النظام ولو بشكل متواضع بإنصاف الهوية العربية هذا العام عبر الاعتراف بها وجعلها ضمن الهويات والقوميات التي تعيش على خارطة إيران الجغرافية المنسوجة اصلا من عدة اعراق وقوميات متنوعة الا اننا للأسف كل عام نفقد امل بتغيير سلوك السلطة وفروعها وادواتها المعادي لعرب الاهواز. ويضيف منصور اننا كشعب نرفض الاحتفال بهذا العيد لأنه يتم فيه رفض هويتنا والغاء وجودنا على ارض اباء واجدادنا في الاهواز العربية.
كان عرب الاهواز من المؤثرين في انجاز الثورة في إيران عام 1979 الي جانب باقي الشعوب الغير فارسية والتي أدت الي سقوط المشروع العنصري الفارسي الرامي الي تجديد حلم الإمبراطورية التي اكل عليها الدهر وشرب منذ أكثر من ألف وخمسمائة عام. لم يكن حال العرب في إقليم الاهواز أفضل حالا من باقي الشعوب مثل الكرد او البلوش حيث كانت هوية هذه الشعوب مستهدفة من قبل السلطة للمحاولة من تذويبهم في بوتة العرق الفارسي الحاكم والمهيمن في البلد حيث سعت السلطة حينها الي اللعب في الخارطة الديموغرافية في إيران عبر سياسة ممنهجة ومنها تغيير أسماء المدن والحارات وحتى الطقوس الشعبية وصولا الي منع ارتداء الأزياء التقليدية. كان الشاه و بدعم كبير من اسياده في الغرب و بعض النخبة الفارسية الشوفينية يحلم برجوع هيبة الإمبراطورية الفارسية و استطاع الي وقت قصير الربط بين الحاضر و بين التاريخ الماضي للإمبراطورية الفارسية عبر تغيير في المناهج الدراسية و إقامة طقوس لتتويج عرشه الملكي و أيضا تغيير التقويم من الهجري الشمسي الي التقويم الملكي لربطه باخر سلاسة ملوك فارس الزائلة الا ان هذا المشروع فشل و ذهب معه الشاه و النخبة العنصرية الشوفينية الفارسية عبر ثورة 1979 و بمشاركة الواسعة للشعوب المضطهدة في ايران و ضحايا هذا المشروع التدميري و لكن اليوم رجع و اصبح يمارس نفس اللعبة الشوفينية و لكن بغلاف ديني.
ولو ان هذا الحلم الفارسي لأحياء او الرجوع الي الاف السنين مستحيلا كما برجوع الميت الي الحياة ويعتبر فقط كابوسا وحلما من أحلام اليقظة في العصر التطور الفكري والحضاري الحديث الا ان التصرفات المتعدة والممنهجة ضد شعب ومكوناته يعتبر سلوك اجرامي خطير يستهدف القيم الإنسانية والقوانين الدولية برمتها والأخطر انه إذا يأتي مدعوما من قبل السلطة وادواتها خصوصا في بلد لا يجرم او يعاقب تصريحات عنصرية ضد الاخرين. وهنا يجب على العالم والمؤسسات الدولية ادانة هذا السلوك الاجرامي الصادر من قبل أحد أعضاء الأمم المتحدة التي أصبحت تتصرف بشكل مكشوف خارج نطاق الأعراف والقوانين الدولية .
