15/05/2024

ظلت قضية الأهواز (عربستان) منذ ضمها إلى السيادة الإيرانية عام 1925 تندرج ضمن دائرة (القضايا المنسية) وأحيانا (الخاسرة) نتيجة وقوعها في ظروف دولية وإقليمية معاكسة حالت دون بروزها على الصعيدين الدولي والعربي، على الرغم من المكانة الاستراتيجية والاقتصادية الاستثنائية التي يحتلها الإقليم والتي تتمثل في إطلاله على الخليج وشط العرب، ومجاورته للعراق، وتوفيره نحو 90 في المائة من إيرادات إيران النفطية التي تشكل الشريان الحيوي للدولة الإيرانية.

وفي المقابل فقد مكنت تلك الظروف الدولية والإقليمية التي ظلت سائدة منذ قيام الثورة البلشفية عام 1917 حتى انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، الحكومات الإيرانية المتعاقبة من تنفيذ سياساتها الشوفينية وممارساتها التعسفية الهادفة إلى انتزاع الهوية العربية من الشعب الأهوازي وإلغاء خصوصياته القومية والثقافية وصهره في بوتقة قومية فارسية شديدة التعصب ضد كل ما هو عربي دون أي رادع دولي أو عربي، مستغلة أهميتها الاستراتجية الفريدة في المنطقة والمتمثلة في كونها السد الأساسي المنيع أمام التسلل الروسي الشيوعي إلى الخليج والشرق الأوسط من جهة، وانشغال الشعوب العربية بالنضال من أجل الاستقلال الوطني ومن ثم القضية الفلسطينية والخلافات العربية العربية من جهة أخرى، بالإضافة إلى تحالف بعض الدول العربية مع نظام الشاه السابق في إطار التكتلات الإقليمية التي أوجدتها آنذاك تبعات الحرب الباردة في العالم.

أما الأنظمة العربية (القومية) التي كان يفترض أن تشكل مواقفها تجاه قضية عربية عادلة كالقضية الأهوازية النقيض الضروري والموضوعي لمواقف الأنظمة العربية الأخرى فإنها لم تكن تتعامل مع القضية الأهوازية وفقا لشعاراتها الثورية الرنانة أو مشاريعها القومية الطموحة بل حسب أهدافها المرحلية ومصالحها الذاتية الضيقة، حتى وإن بلغت إثارتها للقضية أحيانا مستوى التوتر في علاقاتها مع إيران أو قطعها كما حصل عام 1965 حين دعا رئيس الوزراء السوري الأسبق يوسف زعين في البرلمان علنا إلى ضرورة تحرير عربستان من الاحتلال الإيراني.

وهكذا فقد لحق بالقضية الأهوازية إجحاف كبير تمثل في عدم تلقيها أي اهتمام أو دعم حقيقي من قبل العالمين الغربي والعربي رغم الأوضاع المأساوية التي ظل الشعب الأهوازي يعاني منها طوال العقود السبعة الماضية حيث تحول أبناؤه إلى مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة، بعد تعرضهم إلى شتى صنوف الظلم والتمييز والتي بلغت مستوى التهجير الجماعي ومصادرة الأراضي العربية قسرا وزرعها بمستوطنات فارسية، على غرار المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين.

أما ثورة الخميني عام 1979 فهي الأخرى فشلت فشلا ذريعا في إيجاد حل توفيقي للقضية الأهوازية ينسجم مع شعاراتها الإسلامية والثورية المعلنة، بعد أن أضاعت فرصا تاريخية لبناء الثقة بينها وبين الشعب الأهوازي من خلال إصرارها على التعامل معه اعتمادا على القمع والتخويف والسعي لإخضاعه لقوة الأمر الواقع وتفكيك جميع مقومات شخصيته الوطنية والقومية المتميزة، وهو الأمر الذي بلغ ذروته حين قرر النظام الإيراني تنفيذ ما يسمى بمشروع قصب السكر الذي جرى استخدامه كغطاء لاغتصاب أراض عربية شاسعة، ضمن مخطط توسعي بالغ الخطورة والطموح يقضي بإقامة مستوطنات فارسية على أراض انتزعت من أصحابها العرب بالتهديد والخداع.

ونتيجة لذلك وتزامنا مع التفاعلات والتطورات السياسية والاجتماعية بالغة الأهمية التي شهدتها الساحة الداخلية في إيران خلال فترة ما بين انتهاء الحرب العراقية الإيرانية 1988 وبروز الحركة الإصلاحية عام 1997 ومنها فشل النظام الإيراني في تحقيق مشاريعه السياسية والدينية على الصعيدين الداخلي والخارجي، وأهمها محاولة تصدير الثورة إلى الخارج، وبروز أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية شديدة التعقيد، تصاعد المد القومي لدى الشعوب غير الفارسية ومنها الشعب العربي في الأهواز لدرجة أصبحت معها الحركات القومية لهذه الشعوب تشكل تحديا بالغ الخطورة للدولة الإيرانية وأمنها القومي، خاصة وأن الشعوب غير الفارسية تشكل نحو 60 في المائة من سكان البلاد البالغ عددهم 65 مليون نسمة.

انقلاب لغوي

 ولتسليط الضوء على الأمر نشير في ما يلي إلى بعض ما جاء في مقال لصحيفة (أميد زنجان) ذات النزعة القومية الأذربيجانية، والتي كان يديرها أحمد حكيمي پور من المسؤولين السابقين في وزارة الاستخبارات الإيرانية والتي تحدثت عن أوضاع الشعب الأذربيجاني (التركي) في إيران الذي يعاني الأمرين نتيجة الاضطهاد القومي الذي يمارس ضده، الأمر الذي يمكن تعميمه على سائر القوميات غير الفارسية ومنها العرب في الأهواز. تقول الصحيفة في المقال المذكور الذي تسبب في إغلاقها:

على الرغم من أن اللغة التركية تعد من أقوى اللغات في العالم من حيث الصرف والنحو، إلا أنها أخذت تفقد قدرتها وعظمتها في إيران، إلى درجة صارت كرامة أهلها وشرفهم يتعرضان لأخطار متزايدة، وذلك منذ أن نفذ دعاة الشوفينية الفارسية في عهد رضا خان (والد الشاه السابق) انقلابهم اللغوي القومي، والذي لا يزال المجتمع التركي (في إيران) يعاني من تبعاته المدمرة حتى يومنا هذا.

وتضيف: ففي إطار الانقلاب المذكور، عمد دعاة الشوفينية الفارسية إلى احتقار ومهاجمة اللغة والثقافة التركيتين دون هوادة أو شفقة، وممارسة شتى أنواع الاضطهاد والضغوط ضد المتشبثين بلغتهم الأم، مستخدمين كافة إمكانيات البلاد، من الصحافة إلى الإذاعة والتلفزيون، ومن بيوت الحضانة إلى الجامعات، ومن الكتب الدراسية إلى الصور المتحركة.

 ونتيجة لذلك، صارت كرامة أتراك إيران تنهار وتتلاشى تحت وطأة كرابيج الشوفينية الفارسية، ويستولي الرعب والفزع على قلوب أطفالهم ونسائهم المضطهدات. والواقع أن الشوفينيين الفرس كانوا ينتقمون لهزائمهم أمام شنكيز خان، وتيمور لنج من خلال التنكيل بالأتراك الأذربيجانيين في إيران!!

تطهير

 وقالت ايضا: كان الأتراك يتعرضون لإهانات جارحة في مختلف الدوائر والمؤسسات والمحاكم والمدارس، دون أن يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم. أي بتعبير آخر كانوا كأسرى في يد الشوفينيين الفرس الذين يتحكمون بمصائرهم، وينزلون عليهم شتى المآسي، دون رادع. ووصل الأمر إلى درجة صار معها بعض هؤلاء العنصريين يدعو إلى عمليات تطهير عرقي شاملة ضد الأتراك في إيران، كوسيلة للتخلص منهم ومن قضيتهم….

وعلى الرغم من أن انتصار الثورة الإسلامية أدى إلى هروب رجال السافاك، ودعاة الشوفينية والعنصرية، وعملائهم المحليين، إلى الخارج، وإعلان قادة الثورة أن الركن الأساسي للقومية الإيرانية هو الإسلام، وليس اللغة الفارسية كما كان في عهد الشاه البائد، إلا أن بعض دعاة العنصرية الفارسية ظلوا يبثون أفكارهم الشوفينية الفاسدة، في الدوائر والمؤسسات الحكومية، في الجمهورية الإسلامية، ومنها الإذاعة والتلفزيون، ودور الصحافة والنشر.

على الشوفينيين الفرس، أن يدركوا أنه لم يعد من الممكن في عصرنا هذا إقامة نظام عنصري في بلد إسلامي، متعدد القوميات كإيران، وأن حلمهم في جعل إيران آخر قاعدة للعنصرية في العالم، ستبدد لا محالة.

ومن أجل احتواء النزعات القومية لدى الشعوب غير الفارسية وفي إطار محاولاته لإنجاح مشروعه الإصلاحي العام كان نظام ولاية الفقيه يجد نفسه مضطرا لتقديم بعض التنازلات لهذه الشعوب، ومنها السماح لأبنائها بتشكيل بعض المراكز والجمعيات الثقافية غير السياسية.

 

الأهواز

 أما في الأهواز ونظرا لما تتمتع به من مكانة استراتيجية بالغة الأهمية والخصوصية على الخارطة السياسية في إيران فقد ذهب نظام ولاية الفقيه إلى أبعد من ذلك حيث سمح بتشكيل أول تنظيم سياسي قومي في البلاد وهو لجنة الوفاق الإسلامي التي تحولت في ما بعد إلى حزب. وعلى الرغم من أن الحكومة لا تزال ترفض إصدار أي ترخيص رسمي للحزب إلا أنه ظل ينشط في الإطار المسموح به سياسيا وأمنيا كمتنفس.

ومع ذلك فإن الإنصاف يقتضي القول بأن الحزب وخاصة العناصر الوطنية منه، تمكن من تقديم خدمات جليلة للقضية الأهوازية من خلال مساهمته في تفعيل الدور السياسي والاجتماعي للمجتمع الأهوازي وإقامة عدد من المراكز الثقافية العربية والتي ساهمت بدورها في تعميق الوعي الشعبي حول الثقافة العربية، وتاريخ الأهواز.

ولكن بما أن الحزب نشأ في مناخ غير ديمقراطي وبواسطة عناصر محسوبة بشكل أو بآخر على النظام الإيراني ظلت دائرة تأثيره على مجرى الأحداث محدودة لم ترق إلى مستوى مطالب الجماهير الأهوازية وطموحاتها، خاصة مع وجود عدد من العناصر القيادية المرتبطة عضويا بالأجهزة أو الأحزاب الإيرانية وخصوصا حزب المشاركة الإسلامية بزعامة محمد رضا خاتمي شقيق الرئيس الإيراني الحالي. وبالتالي فإن الحزب لم يتمكن من تحقيق أهدافه الرئيسية على بساطتها، بسبب إصرار نظام ولاية الفقيه على عدم الرضوخ لأي منها. وهي أهداف يمكن تلخيصها في ما يلي:

أولا: إلزامية تدريس اللغة العربية، إلى جانب اللغة الفارسية في جميع المراحل الدراسية ودرج حصة تتعلق بتاريخ الأهواز.

ثانياً:  السماح بحرية الصحافة والنشر والإعلام باللغة العربية وإيجاد محطة تلفزيونية تختص بشؤون الإقليم ومجتمعه العربي. (وليس كمحطتي سحر والعالم اللتين تتجاهلان تماما وجود ما يزيد على أربعة ملايين عربي في الأهواز).

ثالثا: الاهتمام بإحياء الموسيقى العربية ودعم المسرح والسينما باللغة العربية.

رابعاً: إعادة النظر في الخطاب العنصري المناهض للعرب وتنقية الكتب الدراسية من التشويه والتزييف لتاريخ الشعب العربي.

خامساً: إعادة الأسماء التاريخية للمدن والقرى والأحياء المألوفة لدى سكان المنطقة المحليين والجارية على ألسنتهم. (جدير بالذكر أن الأسماء العربية التاريخية في الإقليم جرى استبدالها بأسماء فارسية مزورة في عهد رضا شاه في الثلاثينيات من القرن الماضي، مثل عبدان إلى آبادان، والمحمرة إلى خرمشهر، والفلاحية إلى شادكان، والخفاجية إلى سوسنكرد).

سادساً:  عدم تسمية الشعب العربي في الأهواز بـ (عرب اللسان) أو (العرب المهاجرون) وما إلى ذلك.

سابعاً: ذكر الإحصائية الحقيقية والنسبة الدقيقة لعدد سكان الشعب العربي الأهوازي.

ثامناً: جعل عطلة عيد الفطر ثلاثة أيام بدلا من يوم واحد كما هو الحال الآن. (علما بأن احتفالات عيد النوروز في إيران الإسلامية تستغرق ثلاثة عشر يوما فيما لا تتجاوز عطلة عيد الفطر الإسلامي يوما واحدا فقط، وهذا على الرغم من أن هذا العيد المبارك أخذ خلال العقود السبع الأخيرة منحى قوميا في إقليم الأهواز إلى جانب أهميته الدينية لدرجة بات معها يسمى من قبل الفرس في الإقليم بـ (عيد العرب).

تاسعاً:  تطبيق الدستور الإيراني وتنفيذ المواد المعطلة منه، خاصة المادتين الخامسة عشر والتاسعة عشر اللتين تتحدثان عن حقوق القوميات الإيرانية (ولو في إطار ضيق للغاية).

عاشراً: المساواة أمام القانون ورفع التمييز عن الشعب العربي في الأهواز في جميع المجلات.

حادي عشر: حرية تشكيل الأحزاب والجمعيات والنقابات.

مشروعة

 وهكذا وجد الحزب نفسه بين مطرقة النظام الإيراني الذي أقدمت أجهزته الأمنية على اعتقال وتعذيب عدد من أعضاء الحزب ومنعت حتى إعادة ترشيح زعيم الحزب البرلماني العربي السيد جاسم التميمي لانتخابات مجلس الشورى الأخيرة، وبين سندان الجماهير الأهوازية التي أخذت طموحاتها المشروعة تتجاوز مطالب الحزب وأهدافه المعلنة، الأمر الذي دفع بالحزب إلى أزمة سياسية وأيديولوجية حادة تسببت تبعاتها في حدوث انشقاقات وانقسامات تنظيمية في صفوفه لدرجة لم يبق له اليوم دور يذكر على الساحة السياسية في الإقليم، وذلك على ضوء هزيمة حلفائه الإصلاحيين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وتراجع دورهم السياسي في المؤسسة الحاكمة في طهران.

وبما أن حزب الوفاق الإسلامي ظل متشبثا بأيديولوجية النظام ومبدأ ولاية الفقيه ودستور البلاد وقوانينها، ولم يتجاوز أياً من قواعد اللعبة السياسية أو الخطوط الحمراء للنظام من خلال ممارساته النظرية أو التطبيقية، فإن مساهمة النظام الإيراني وخاصة التيار المحافظ المتشدد، في إفشال تجربته عكست جليا عجز هذا النظام عن خلق علاقة أكثر إيجابية حتى مع التيارات السياسية المحسوبة عليه، وعدم قدرته على معالجة قضية الشعوب غير الفارسية ومنها الشعب العربي الأهوازي عبر القنوات القانونية والآليات الديموقراطية.

وهذا من شأنه أن يفتح الباب على مصراعيه أمام احتمالات بالغة الخطورة على الأمن القومي الإيراني، ومنها التدخل الأجنبي الذي قد يتحول إلى مدخل لتمزيق عرى الدولة الإيرانية، خاصة في ظل التصاعد المتواصل للنزعات القومية والاستقلالية للشعوب غير الفارسية وعدم تمكن النظام من إيجاد حلول قانونية وسلمية لامتصاص التوترات والتناقضات السياسية والاجتماعية المتفاقمة، على الصعيد الداخلي، من جهة، ومضاعفات النزاع المتواصل بين طهران وواشنطن وسقوط نظامي طالبان وصدام حسين في الدولتين الجارتين لإيران على يد غريمها الأمريكي، وزحف حلف الناتو نحو الشرق وتمركز قواته في الدول المجاورة الأخرى كدول الخليج وأذربيجان وتركيا من جهة أخرى.

الحرس الثوري

 ومن أخطر التطورات الداخلية الأخيرة التي عززت مثل هذا الاحتمال، تمكن قوات الحرس الثوري، المعروفة بتشددها السياسي والإيديولوجي من بسط هيمنتها على أهم مراكز صنع القرار في إيران، وخاصة على صعيد السياسة الخارجية، على حساب الحركة الإصلاحية ودعاة الاعتدال في جهاز الحكم، وهو الأمر الذي ظهر جليا من خلال التوتر الذي طرأ مؤخرا على العلاقات الإيرانية الخليجية، بسبب التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدولة الكويت، وعمليات اختراق الزوارق الإيرانية المياه الإقليمية لكل من قطر والإمارات العربية المتحدة، وما رافق ذلك من تهديدات إيرانية علنية ضد هذه الدول، بالإضافة إلى قيام إيران بتوسيع دائرة تداخلاتها العسكرية والأمنية في العراق، وإقدام القوات البحرية للحرس الثوري على اختطاف عدد من البحارة البريطانيين في نهر شط العرب. ويضاف إلى ذلك الهاجس الغربي الأميركي المتمثل في إمكانية حصول إيران على أسلحة دمار شامل نووية أو جرثومية أو كيماوية ومن ثم وقوع مثل هذه الأسلحة بيد جماعات متطرفة قد تستخدمها في أعمال إرهابية في الغرب تؤدي إلى كوارث وفواجع أكبر مما حصل في 11 ايلول (سبتمبر).

ومما بات يعزز مثل هذه الهواجس لدى الغرب، الغموض السائد حاليا على الساحة الإيرانية بفعل الصراع على السلطة وتعدد مراكز صنع القرار، وخاصة التطور الأخير المتمثل في تعاظم نفوذ قوات الحرس الثوري في المؤسسة الحاكمة، وأهم من كل ذلك إصرار ولاة الأمر في إيران على امتلاك القنبلة الذرية كعنصر حاسم لضمان ديمومة النظام وفرضه على المعادلات الإقليمية والدولية.

وإذا سلمنا بأن إيران تقع في ما يسمى بدائرة الاستهداف الأميركي ضمن أجندة واشنطن في المنطقة فإن المعطيات الداخلية والإقليمية ومنها خاصة المحاولات الدوؤبة للأجهزة الأمنية والعسكرية الإيرانية إخراج زمام المبادرة من يد أميركا في العراق من خلال نقل النزاع معها إلى الساحة العراقية الملتهبة، تنذر بقرب حدوث تصعيد خطير بين طهران وواشنطن والذي من الموقع أن يتحدد على ضوء نتائجه وأسلوب حسمه ليس مسار العلاقات الإيرانية الأميركية فحسب بل مستقبل الدولة الإيرانية أيضا.

فائق الأهمية

 ونظرا إلى أن واشنطن لم تتخل على يبدو عن رهانها على العوامل الداخلية في إيران في أي محاولة لتغيير الأوضاع السياسية هناك، فسيكون للأهواز شعبا وأرضا وقضية دور فائق الأهمية والخصوصية في الأحداث المقبلة في المنطقة لما يمتلكه الإقليم من مقومات وثروات وطاقات بشرية وموقع استراتيجي متميز، خصوصا إذا ما قررت واشنطن رفع وتيرة النزاع مع طهران من مستوى سياسي وغير مباشر، إلى مستوى عسكري ومباشر.

والواقع أن الأهواز أصبحت بفعل التطورات المحلية والإقليمية والدولية الأخيرة مرشحة لتكون رقما مهما في المعادلات الاستراتيجية في المنطقة وملتقى لعوامل دولية وإقليمية حاسمة وفي مقدمتها النفط الذي يشكل عنصرا حاسما في إستراتيجية أميركا الهادفة إلى فرض الهيمنة الاقتصادية من خلال التحكم بمسار الطاقة والنفط على المستوى الدولي، وخاصة بعد أن أعلنت شركات نفط دولية مؤخرا أن إقليم الأهواز يمتلك أكبر احتياطي للبترول في العالم بعد المملكة العربية السعودية، وهو الأمر الذي قد يحمل إعلانه في هذا الوقت بالذات دلالة بالغة الخصوصية، ثانيا امتداد الأهواز الجغرافي والقومي والعشائري مع العراق الذي أصبح يشكل نقطة الانطلاق المركزية في التحرك الاستراتيجي الأميركي في الشرق الأوسط، ثالثا دورها الحاسم في التطورات الداخلية في إيران كونها تمتلك الشريان الحيوي للاقتصاد الإيراني، رابعا ملف حقوق الإنسان في إيران والذي باتت القضية الأهوازية تشكل عنصرا أساسيا فيه، بعد أن تمكنت الحركة الأهوازية من انتزاع أول اعتراف دولي بالقضية والذي تمثل في انضمام الشعب العربي الأهوازي بصفة رسمية لعضوية منظمة (UNPO) أي منظمة الشعوب والأمم غير الممثلة في الأمم المتحدة وكذلك طرح القضية الأهوازية بشكل متزايد في التقارير الصادرة عن الدوائر الغربية ومنها وزارة الخارجية الأميركية ووزارة الداخلية البريطانية والمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان في الغرب.

 

فرصة تاريخية

 وحتى لا تظل أهمية الأهواز المتصاعدة محصورة في دائرة الأوراق التكتيكية وحتى لا تصبح قضيتها مجرد عنصر شغب وتوتر في المعادلات الدولية، أو مجرد منفذ أو جسر مؤقت لتمرير مخططات واستراتيجيات أطراف الصراع في المنطقة، كما حصل خلال الحرب العالمية الأولى حيث استخدمت بريطانيا العظمى نفوذها الواسع في إمارة عربستان بزعامة الشيخ خزعل في حربها ضد الدولة العثمانية، ولكن بعد حسم الحرب لصالحها تخلت عن دعمها للإمارة بل ساعدت حكم البهلوي على ابتلاعها، أو كما حاول نظام صدام حسين بداية الحرب العراقية الإيرانية استخدام ورقة الأهواز لمصالحه الذاتية تحت غطاء شعارات قومية طنانة، ومنها (الحرب تلبية لصرخات العربستانيات الماجدات!!)، فإنه يتعين على الحركة الأهوازية توخي أكبر قدر من الحيطة والحذر في هذه المرحلة المصيرية لتحاشي الوقوع في أخطاء جسيمة قد تكلفها غاليا من جهة، وعدم تفويت الفرصة التاريخية الراهنة لانتزاع الحقوق المشروعة للشعب العربي الأهوازي وفي مقدمتها حق تقرير المصير من جهة أخرى.

وانسجاما مع هذه الغاية، يتطلب من الأحزاب والنخب السياسية والفكرية الأهوازية في الداخل والخارج الإسراع برص الصفوف وإقامة تحالف وطني واسع من أجل تغليب المصالح الوطنية الأهوازية على الاعتبارات الأخرى، والمساهمة في خلق شارع ضاغط وتعزيز القدرات الذاتية للحركة الأهوازية لتمكينها من الحفاظ على قرارها السياسي المستقل، ورفضها لأي قرار يُملى عليها من خارج دائرة النضال الأهوازي، وكذلك لإيجاد الأدوات الضرورية في سبيل التصدي لمحاولات نظام ولاية الفقيه لجر أبناء الشعب الأهوازي وسائر الشعوب العربية في المنطقة إلى متاهات نزاعه مع واشنطن من خلال السعي إلى دغدغة المشاعر الدينية لديهم عبر إظهار النزاع على أنه صراع بين الخير والشر أو بين الملاك الأطهر والشيطان الأكبر!