و الاجتماعي و ينبع هذا التصور من فهم خاطئ لمسالة الهوية و التجاهل التام للتأثيرات الثقافية على الهوية و على هذا الأساس لا بد من توضيح مفهومي الثقافة و الهوية و علاقتهما بالمجتمع المدني .
بداية القول يجب الاشارة الى نقطة أساسية و هو أن الهوية أمر نسبي شأنها شأن كل العناصر الاجتماعية التي تتأثر خلال عملية التغير الاجتماعي سواء بفعل تبدل العناصر الثقافية او تغيير نمط الحياة الاقتصادية والمعيشية أو تغير الاعراف و التقاليد و القيم من مرحلة تاريخية الى أخرى.
هناك تعريفات عديدة قدمت حول مفهوم الثقافة حيث يستخدم على انه يساوي مفهوم الحضارة المادية و المعنوية في علم الاجتماع الفرنسي إلا انه في علم الاجتماع الأمريكي و كذلك البريطاني خاصة في دراسات الانتروبولوجيا الثقافية يعني مجموعة العادات و التقاليد و الاعراف و القيم الاجتماعية .
يقول ادوارد تايلور: ” الثقافة هي ذلك الكل المركب الذي يتضمن المعارف والعقائد والعادات والتقاليد والفنون والأخلاق والقوانين “(1).
و يعرف مالينوفسكي الثقافة بأنها : ” ذلك الكل من الأدوات وطبائع الجماعات الاجتماعية والأفكار الإنسانية والعقائد والعادات التي تؤلف في مجموعها الجهاز الذي يكون فيه الإنسان في وضع يفرض عليه أن يكيف نفسه مع هذا الجهاز الكلى لكي يحقق حاجاته الضرورية “.(2)
عند الحديث عن تعريف الثقافة يجب شرح صلة هذا المفهوم بمفهوم الهوية و حيث يرتبط المفهومان ارتباطا وثيقا ضمن سياق التفاعل الاجتماعي في المجتمعات المدنية .
الثقافة تعد حركة ديناميكية متغيرة في المجتمع و بدورها تؤثر في طور تشكيل الهوية التي تميز الجماعات الاثنية و القومية و الدينية و غيرها و تجعلها متمايزة عن بعضها البعض و “مع نشوء الدول-الأمم الحديثة أصبحت الهوية شأناً من شؤون الدولة التي تدير قضية الهوية وتضع لها القواعد والضوابط . يقول منطق الدولة-الأمة أن تكون صارمة شيئاً فشيئاً في موضوع الهوية لأن الدولة الحديثة تسعى إلى توحيد الهوية mono-identification فإما أنها لا تعترف إلا بهوية ثقافية واحدة لتحديد الهوية الوطنية(مثل فرنسا) أو أنها، بعد قبولها لنوع معين من التعددية الثقافية في كنف الأمة، تقوم بتحديد هوية مرجعية تكون الهوية الوحيدة الشرعية فعلاً مثل الولايات المتحدة الأميركية.الهوية الوطنية المتعصبة هي دولة إيديولوجية تقوم على استبعاد الاختلافات الثقافية، ويقوم منطقها المتطرف على منطق “التطهير العرقي”.(3)
و لعل هذا الموضوع هو في صلب مشكلة الهوية التي يعانى منها الشعب العربي الأهوازي و كذلك بقية الشعوب غير الفارسية في الجغرافية الايرانية منذ تأسيس الدولة الايرانية الحديثة في عشرينات القرن الماضي على اساس منطق الهوية الواحدة المتعصبة من قبل النظام الشاهنشاهي الذي أدى الى انتهاج عملية التطهير العرقي الممارس ضد شعبنا و بقية الشعوب غير الفارسية و سار النظام الديني الجديد على نفس النهج بإضافة العنصر الطائفي للهوية الأحادية لايدولوجيا الدولة الايرانية .
و لكن التمايز الثقافي هو العنصر الذي حافظ على هوية هذه الشعوب امام آلة التطهير العرقي و الوجود القومي التاريخي و العناصر الثقافية المكونة للهوية القومية لهذه الشعوب هي التي تميزها عن أيديولوجية الدولة ومهما حاولت الدولة أن تذوّب و تصهر ثقافات هذه الشعوب في بوتقة التفريس فإنها لم و لن تستطع أن تغير من هوية هذه الشعوب و لكن ما السبب الكامن وراء ذلك ؟
يقول عالم الاجتماع دوني كوش في هذا الصدد : ” حتى لو ارتبط مفهوما الثقافة والهوية الثقافية بمصير واحد ، فليس من السهل خلط أحدهما بالآخر ، إذ يمكن للثقافة أن تعمل بدون وعي للهوية، بينما يمكن لاستراتيجيات الهوية أن تعالج الثقافة أو تغيرها، وبالتالي لا يبقى هناك شيء مشترك مع ما كانت عليه في السابق. تنشأ الثقافة، في جزء كبير منها، عن عملية لاواعية. أما الهوية فتحيل إلى معيار انتماء يجب أن يكون واعياً، لأنها، أي الهوية تقوم على تعارضات رمزية.(4)
و من الناحية النفسية فان سياسات التطهير العرقي كونها تمس بشكل مباشر هوية الشعب و انتماء الفرد النفسي و الاجتماعي ، فإن فرض سياسية غريبة و دخيلة عليه تدفعه الى التمسك بالقيم الثقافية التقليدية مما يعزز من التقارب بين أفراد المجتمع على أساس الانتماء الى الثقافة التقليدية حتى لو كانت تنتمي تلك الثقافة الى العلاقات التقليدية كالعلاقات القبلية أو المناطقية أو الشعور بالانتماء القومي التاريخي و ” علم النفس الاجتماعي يرى في الهوية أداة تسمح بالتفكير في العلاقة المفصلية بين السيكولوجي والاجتماعي عند الفرد.إنها تعبر عن محصلة مختلف التفاعلات المتبادلة بين الفرد مع محيطه الاجتماعي القريب والبعيد.والهوية الاجتماعية للفرد تتميز بمجموع انتماءاته في المنظومة الاجتماعية:كالانتماء إلى طبقة جنسية أو عمرية أو اجتماعية أو مفاهيمية الخ.والهوية تتيح للفرد التعرف على نفسه في المنظومة الاجتماعية وتمكن المجتمع من التعرف عليه “.(5)
و يركز عالم الاجتماع “بارث” في أبحاثه على مفهوم الهوية و يرى بأن بعض السمات الثقافية يمكن أن تكون مشتركة بين مختلف الهويات الاجتماعية إلا أن هذا الاشتراك لا يؤدي الى الهوية الواحدة كما يتصور البعض و قد سمعنا كثيرا بمن يقولون بان أطروحات المجتمع المدني و التقارب الثقافي و المشاركة في عملية التغيير الديمقراطي و غيرها من المفاهيم الحديثة من شانها أن تصهر هويتنا العربية في بوتقة التفريس و هذا كلام غير صحيح على الإطلاق حيث أن الهوية في حال تغير دائم نظرا لسمة الثقافة الديناميكية التي تنظم العلاقات بين أفراد المجموعة الاثنية و ليست الهوية وفقا لذلك حالة ثابتة ، من هنا فان دعوة البعض للتمسك بالهوية التقليدية دون النظر الى تأثير التغير الثقافي الذي يؤثر في إعادة تشكيل الهوية ، أمر يخالف منطق التطور التاريخي و تبدل الهويات و تنوعها و يقول ” بارث ” في هذا الصدد : ” فإن اختلاف الهوية ليس نتيجة مباشرة للاختلاف الثقافي . الثقافة الخاصة لا تنتج بذاتها هوية متميزة لأن هذه الهوية لا يمكن أن تنشأ عن الأفعال المتبادلة بين الجماعات وعن طرائق التمييز التي تستخدمها في علاقاتها. و بالنتيجة، يرى بارث، أن أفراد المجموعة لا يمكن إدراكهم على أنهم محددين بشكل مطلق من خلال انتمائهم العرقي-الثقافي لأنهم هم الممثلون الذين ينسبون الدلالة إلى هذا الانتماء تبعاً للحالة العلائقية التي يجدون أنفسهم فيها.وهذا يعني أن الهوية تتشكل ويعاد تشكيلها باستمرار من خلال التبادلات الاجتماعية.هذا المفهوم الديناميكي للهوية يتعارض مع المفهوم الذي يجعل منها صفة أصلية ودائمة غير قادرة على التطور.(6)
إن نظرية نسبية الثقافة من أشهر مقولات الحداثة تنتقد بشدة نظرية مركزية الثقافة أو الحضارة و حيث تؤكد على التنوع الثقافي فإنها تعتمد على عنصري التخلي و الاكتساب بمعني التخلي عن العناصر الثقافية السائدة التي لم تعد تواكب التطور الحاصل في المجتمع و اكتساب عناصر أخرى جديدة و بديلة تتلائم مع التغيير الاجتماعي المنشود. أما عميلة التغيير فتحدث من خلال تغيير الأنماط الثقافية أو ما يسمى في الانتروبولوجيا الثقافية بعميلة ” المثافقة ” و في هذا الصدد يقول عالم الاجتماع دوني كوش :
” لقد جددت الأبحاث الجارية على عملية المثاقفة، بشكل عميق، مفهوم الباحثين في ميدان الثقافة.فاعتبار العلاقة الثقافية المتبادلة والحالات التي تتم فيها قادت إلى وضع تعريف ديناميكي للثقافة. بل وانقلب المنظور:فلم نعد ننطلق من الثقافة لفهم المثاقفة، بل من المثاقفة لفهم الثقافة.فليس هناك ثقافة في “حالة صافية” مشابهة لنفسها باستمرار دون أن تشهد القليل من التأثيرات الخارجية.وعملية المثاقفة ظاهرة عالمية حتى لو شهدت أشكالاً ودرجات متنوعة.
العملية التي تشهدها ثقافة معينة في وضع تماس ثقافي، أي عملية تفكك بنيتها ثم إعادة بناء تلك البنية، هي في الواقع، نفس مبدأ تطور أية منظومة ثقافية وأية مثاقفة هي عملية دائمة من التفكك والبناء وإعادة البناء، أما الذي يتنوع فهو أهمية كل مرحلة تبعاً للحالات.وربما علينا استبدال كلمة culture(ثقافة) ب (تثقيف) culturation التي تتضمنها كلمة (مثاقفة) acculturation بهدف الإشارة إلى هذا البعد الديناميكي للثقافة ” .(7)
و على أساس هذه النظرية أقول : تغيير الولاء الاجتماعي للإفراد من القبلية الى الولاء للشعب يمر عبر عملية المثافقة بمعنى أن يتم تفكيك طريقة التفكير القبلية و يعاد تركيبها على أساس تغيير الولاء الاجتماعي و كذا الأمر بالنسبة للولاء الديني أو المذهبي فبدل أن ينظر الأفراد الى الطائفة كانتماء ضيق داخل منظومة مذهبية يتم تفكيك هذا النمط من التفكير و يعاد النظر في تركيبه على أساس تقبل التنوع الديني هذا هو جوهر الفكر العلماني الذي يفصل الدين عن السياسة و شؤون الدولة و يضعه في قالب التعاليم السامية الجوهرية في الدين و بالتالي نشر قيم التسامح و المحبة و التآزر و الترابط الاجتماعي .
إن دعوة البعض الى الماضي و الأصول يخالف منطق التطور التاريخي للمجتمع ، كأن يدعو البعض مثلا العودة الى العصور الإسلامية المزدهرة من خلال عملية التسنن السياسي الآخذة بالانتشار و التي يروج لها كثيرا هذه الأيام أو البعض الآخر الذي يدعو الى التمسك بالخطاب القومي التقليدي مستندا على عصور المجد القومي العربي في الستينات أو السبعينات و نستند هنا مرة أخرى بمقولات عالم الاجتماع دوني كوش الذي يسمي هذه العملية بالمثاقفة المضادة و يقول في هذا الصدد :
” قد يجهد المرء في سبيل … العودة إلى “الأصالة” الأولية، لكننا بهذا لا نقوم إلا بالحد من آثار المثاقفة المادية.أما المثاقفة المضادة الشكلية فهي مستحيلة.إذ لا يمكن فرضها ولا تنجم عن إرادة واعية. الثقافة المضادة لا تعني العودة إلى الأصول-وهو ما تتمناه- بل هي نمط من بين أنماط أخرى من البناء الثقافي الجديد، وهي لا تنتج القديم بل الجديد “.(8)
ثم أن لا يوجد هناك هوية نقية قائمة بذاتها و لا تتأثر بالهويات و الثقافات الأخرى و كما تغيرت هوية شعبنا وقف المراحل التاريخية منذ حضارة عيلام مرورا بالعهد العربي ما قبل الاسلام ثم العهد العربي الاسلامي الى العصر الحديث فان هوية هذا الشعب اليوم ايضا تتعرض للتغيير وفق المعطيات التاريخية . و اذا ما عدنا الى التاريخ نجد في العصور الحضارية الاولى كان شعب عيلام يؤمن بالأساطير و الالهات المتعددة و كذلك المرحلة الوثنية و بعد ذلك انتشرت الديانات السماوية كالمسيحية و اليهودية و غيرها و حتى في العهد الإسلامي لم يكن شعبنا ذو هوية واحدة بل شهد الإقليم وجود مختلف المذاهب الإسلامية من السنة والشيعة و المعتزلة و الاشاعرة و الحركات الباطنية و غيرها الى ظهور الدولة المشعشعية التي قامت على أساس ديني مذهبي الى الامارات القبلية كالكعبيين و غيرهم و تعرض الشعب الاهوازي الى تغير المذاهب و الاديان و التسميات و أشكال الحكم و حتى التغير في اساليب و طرق الانتاج و نمط الحياة الزراعية و الصناعية و غيرها ، بمعنى أن هوية شعبنا تغيرت في طوال هذه الحقب التاريخية بأشكال و مسميات مختلفة .
بيد أن اليوم تواجه هويتنا تحديات متعددة فمن جهة تشديد وتيرة سياسات التفريس و الهيمنة التي نواجهها و من جهة أخرى التغير في مفاهيم الهوية و الثقافة في ظل العولمة ” والهويات وفق أطروحات العولمة في كل إطارات تحديد تعريفها وصورة رؤيتها وآليات دفع مساراتها في الإتجاهات المختلفة، يمكن أن ترى وكأنها إنتقال من بُنى القبيلة والشعب والأمة التي صنعت دولة العصرين الوسيط والحديث وثقافتهما وحضاراتهما، إلى بنية إنسانية جديدة أشمل. ويحمّل الإنتقال معاني ومدلولات السيرورة من المجال الوطني أو القومي إلى المجال الكوني، بما في ذلك مفهوم أهليته الجغرافية لشمول الفضاء العالمي كله كتعيين مكاني له، وكذلك التعيين الزماني أيضاً بحدود حقبة ما بعد الدولة القومية التي أنجبها العصر الحديث إطاراً كيانياً لصناعة أهم وقائع التقدم الاقتصادي والإجتماعي والثقافي. ويسعى لإرساء مداميك ثورة جديدة في التاريخ تكون قوتها المجموعة الإنسانية بدلاً من الجماعة الوطنية والقومية “.(9)
على هذا الأساس عندما نقول أن جميع المواطنين في المجتمع المدني متساوون فإننا نركز على الهوية المتعددة للشعب الواحد و هذا مغاير تماما لما يدعو إليه البعض من قبيل أن هويتنا العربية مرتبطة بعرق أو بمذهب معين فالعروبة و الدين أو المذهب هي العناصر التي تتكون منها الهوية ، و العروبة تعد الصفة الأبرز كونها تحمل البعد الثقافي للهوية ، فالعروبة ليست انتماءا عرقيا أو طائفيا بقدر ما هي تحمل مدلولات ثقافية و تاريخية و لغوية و تمثل تمايزا حضاريا عن الآخر .
الهوية العربية الحديثة تعارض المفاهيم الثابتة و الجامدة التي لا تعترف بالتغير الاجتماعي و منطق التطور التاريخي للشعوب و حينما ندعو الى مجتمع مدني فإننا نؤكد على ضرورة الانفتاح على الثقافات الأخرى خاصة الاستفادة من النماذج الغربية الناجحة في مجال التجارب المدنية و حرية الأديان و النشاط الثقافي و الاجتماعي و نعتبر مقولة الغزو الثقافي بدواعي الخوف على الهوية أو الذوبان في ثقافة الغير ما هي إلا إعادة إنتاج الإسلام السياسي الذي يستخدم الدين كأداة للوصول الى السلطة فلا تحفظ أصالة الدين بالرجوع الى الماضي أو الأصل كما يدعي البعض بل بوجود مجتمع مدني يحرر الناس من سلطة من يدعون أنهم آيات الله او خلفاءه أو ظل الله في أرضه و يجب تحرير العقول روحيا و فكريا على الأقل إن لم يتحقق ذلك ماديا .
و كذلك كما يجب العمل على فك شرانق السطلة الدينية و المذهبية المتجبرة يجب العمل على التحرر من سلطة المجتمع و الأعراف و التقاليد البائسة التي تنخر بجسد المجتمع و تضعه في قالب التخلف و انحطاط .
” إن حديث دعاة العوده إلى “نقاء الهوية الإسلامية” أو نقاء الهوية العربية – الإسلامية “انطلاقاً من الحرص على الدفاع عن الهوية الوطنية والهوية القومية، هو حديث هرطقة ليس إلا؛ لأن الحديث عن نقاء الهوية يفترض أنه كانت هناك هوية نقيه؛ إضافة إلى أن افتراض الهوية النقية ولغتها النقية هو افتراض غير منطقي لان هناك استحالة في وجود هويات نقيه.فقد استطاعت الثقافة العربية ومنذ منتصف القرن التاسع عشر ان تمارس عمليات مثاقفة مع المرجعيات الثقافية الغربية رفضاً وقبولاً، ونسخاً وإبداعاً. وقد أثمرت هذه العمليات كيفيات محدده في إستيعاب عناصر فكرية جديدة مستمدة من المشروع الثقافي الغربي. وأضافت المعطيات الناتجة عن ذلك جملة من المرجعيات الجديدة لمكونات الهوية الثقافية العربية، شكلت مانعاً للنظر إلى الثقافة الغربية، والي الغرب عموماً على اعتباره خارجاً مطلقاً بالنسبة للذات العربية التاريخية. كما أصبح الغرب في أبعاده الثقافية المتنوعة منذ قرنيين وأكثر احد مكونات ثقافتنا المتحولة في الزمان. بما يعني اتساع دائرة خلق وإعادة تشكل الذوات والثقافات والمجتمعات في التاريخ.. (10)
و لا يستثنى شعبنا العربي الاهوازي عن بقية شعوب العالم في التأثر بموجات العولمة و ليس عيبا أن يأخذ شعبنا المفاهيم و القيم الحديثة و نمط الحياة العصرية من الشعوب الأخرى فالحضارة الانسانية واحدة و من السمات الأساسية للحضارات البشرية انتشارها و توسعها لتشمل خيراتها و منافعها كل الشعوب، فشعبنا بعراقته و تاريخه الموغل في القدم ، قدم الكثير من الأعلام التي أسهمت في اغناء الحضارة العربية في مختلف مجالات الأدب و الشعر حيث نستطيع ذكر اسماء لامعة كابي نؤاس الاهوازي و ابن السكيت و علي بن خلف الحويزي و في مجال الطب كانت عائلة بختشيوع المسيحية الذين كان بعضهم أطباء الخلفاء العباسيين و البعض الآخر ترجم الكثير من العلوم اليونانية الى العربية الى مختلف الشخصيات و الأعلام الحضارية على مر التاريخ.
حتى الحضارة الاروبية في عصر النهضة أخذت الكثير من الحضارة العربية الإسلامية و التلاقح الحضاري و التبادل الثقافي و الحوار بين الحضارات من السمات العامة لكل الحضارات البشرية الكبرى و الى اليوم تدرس مؤلفات و كتب ابن رشد و الفارابي و ابوحيان التوحيدي و ابن سينا و ابن الهيثم و غيرهم من أعلام العرب و المسلمين في أرقى الجامعات الغربية و لا يعتبر علم هؤلاء محصورا بالعرب بل للمجتمع البشري بأسره .
إذن علينا أن ننفتح على العالم المتحضر و المتمدن و الاستفادة و الأخذ من التجارب الديمقراطية و الحياة العصرية التي تعيشها المجتمعات المتقدمة في سبيل النهوض بشعبنا من بوتقة التخلف و الانحطاط الحضاري لكي نسير نحو مواكبة المجتمعات العصرية و القضاء على البؤس و التخلف و لن يتم هذا إلا بمراجعة الذات و تأسيس و تجذرثقافة النقد و البحث العلمي لكي يتم القطع مع الماضي من خلال المراجعة و النقد التاريخي و تقييم الماضي و الحاضر من اجل بناء مستقبل واعد .
صالح الحميد
باحث في علم الاجتماع
المصادر:
* اعتمدت في هذه الدراسة بشكل خاص على كتاب : دوني كوش ،مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية ، ترجمة : الدكتور قاسم المقداد ، من منشورات اتحاد الكتاب العرب ، دمشق ، 2002
(1)فيليب لابورت تولرا،جان بيار فارنيه: إثنولوجيا أنثربولوجيا ،ت :مصباح الصمد ،مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،لبنان ،ط1 ،2004، ص15 .
(2)جاك لومبار:مدخل إلى الاثنولوجيا ،ت حسين قبيسي ،المركز الثقافي العربي ،لبنان ،ط1 ،1997 ص 152.
(3) دوني كوش ،مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية ، ترجمة : الدكتور قاسم المقداد ، من منشورات اتحاد الكتاب العرب ، دمشق ، 2002،ص102
(4) نفس المصدر ، صص95-96
(5) نفس المصدر ، ص96
(6)نفس المصدر ، ص99
(7)نفس المصدر ،ص 75
(8) نفس المصدر ،ص77
(9)محمد باسل سليمان ، سؤال الهوية بين المثاقفة و العولمة ، الحوار المتمدن – العدد: 2300 – 2008 / 6 /2
(10) المصدر نفسه