طبيعة الصراعات بين التيارين الاصلاحي و المتشدد في ايران

تمتاز ايران عن سائر البلدان العربية  والاسلامية  كونها كانت السباقة  في وضع اول  دستور وضعي لها في المنطقة عبر ثورة عرفت  بالثورة ” المشروطة ” او  ثورة الدستور ، وذلك  عام 1906، الا ان هذه الثورة  فشلت نتيجة  لظروف موضوعية  وذاتية لا مجال  لبحثها هنا الأستاذ جابر أحمد تمتاز ايران عن سائر البلدان العربية  والاسلامية  كونها كانت السباقة  في وضع اول  دستور وضعي لها في المنطقة عبر ثورة عرفت  بالثورة ” المشروطة ” او  ثورة الدستور ، وذلك  عام 1906، الا ان هذه الثورة  فشلت نتيجة  لظروف موضوعية  وذاتية لا مجال  لبحثها هنا ، ورغم مرور ما يقارب  من قرن  على وقوعها ولكن اهدافها السامية لا تزال  ماثلة امام اعين  الجميع ، وقد انعكست على مجمل مناطق  الاطراف لانها وضعت المرهم على جراحها حيث كان الاهتمام بقضية القوميات ضمن اولويات الثورة المذكورة فنص الدستور آنذاك على تشكيل مجالس للاقاليم والولايات للحد من سيطرة المركز على الاقاليم . وهذا الترابط التاريخي  بين التحركات  التي تنشد التحرر وترفض الديكتاتورية  في  المركز و بين الاطراف ذات  التواجد القومي لم يقتصر على ثورة الدستور فحسب بل نجد صداه  ايضا في الدورات الاخرى التي تلتها مرورا بحركة مصدق وحتى  الجمهورية الاسلامية ، لان  اي تحرك  بهذا الاتجاه ( الحرية والديمقرلطية )  سوف ينعكس عاجلا  ام آجلا بشكل ايجابي على الاوضاع السياسية  لتلك القوميات ، فلا غرابة  ان نرى اليوم  من بين ابناء  الشعوب الايرانية ممثلة  ببعض منظماتها المدنية  والسياسية من دعم  ووقف الى جانب حركة الاصلاحيين الراهنة ودعمها  وحتى  هناك من استشهد دفاعا عنها . و يبقى السؤال الاساسي الذي يطرح نفسه وقد شغل بال العديد من مراقبي  الاحداث  والمظاهرات التي اعقبت  الانتخابات الرئاسية  الايرانية الاخيرة،  هو اذا كان الطرفان  يؤمنان بما يسمونه بنهج الامام الخميني  وبالمبادئ العامة  للثورة ، اذا  ما هي طبيعة  الصراعات  الدائرة  بينهما ؟ و لماذا وصلت المواجهات  الى هذا الحد ؟ وهل هناك مخرج  للخروج من هذه الازمة ام لا ؟ شعارات الحركة الخضراء : يعتقد اصحاب  التيار الاصلاحي والذي وحد صفوفه بعد ان خسر الانتخابات “عبر التزوير” كما  يعتقد  تحت اطار ما يعرف ” بالحركة الخضراء ”   وهو يرى  ان الثورة الايرانية  في ظل  سياسة المتشددين  قد انحرفت عن اهدافها العامة التي  قامت من اجلها،  و لعل اهم هذه الانحرافات هو التلاعب على  مواد دستور  الجمهورية و تعطيل الغالبية العظمى منها ، وهم يعتقدون ايضا ان  الدستور الايراني  وضع على اساس محورين : المحور الاول:   الحيلولة دون  سيطرة  سلطة النهب  الرأسمالي  على البلاد  ، اي بعبارة اخرى  ، التأكيد على عملية الاستقلال الاقتصادي و تحريرة من التعبعية الاجنبية و النهب  الداخلي . المحور الثاني :  الحيلولة  دون عودة الاستبداد والديكتاتورية  و الدفاع عن الحريات العامة. واذا تمعنا جيدا نجد صدى هذين المحوريين في البرنامج الانتخابي الذي تقدم به كل من المرشحين الاصلاحيين السيد كروبي و موسوي  حيث اكدا انهما في حال فوزهما  بالانتخابات سوف يتعهدان  بتنفيذ المواد المعطلة من الدستور ومن بينها ” المواد 3- 12 – 13 – 15 – 19 -26 – 41-44 – 48 و…. و”سوف يعرفون  الى الامة  اي شخص او جماعة   تحاول الحيلولة دون تنفيذها ، لان  من مهام رئيس الجمهورية  تنفيذ  الدستور والاجابة على تسألات الشعب ” .(من البيان الانتخابي  لكروبي.) واذ دققنا  قليلا  في  المواد الواردة اعلاه نرى ان جزءا منها  يقع في المحور الاول  والاخر  يقع  في المحور الثاني ،فعلى سبيل المثال المادة (44) من الدستور هي من مكونات المحور الاول ، حيث تؤكد ان  النظام الاقتصادي  لجمهورية  ايران  الاسلامية  يعتمد على ثلاث  قطاعات وهي باختصار القطاع الحكومي و القطاع التعاوني و القطاع الخاص و” القانون في الجمهورية الاسلامية  يحمي  الملكية في هذه القطاعات الثلاث ، ما دامت تتطابق مع المواد الاخرى الواردة في هذا الفصل ، ولا تخرج  عن اطار القوانيين الاسلامية ، وتؤدي  الى النمو الاقتصاد الوطني ولم تجلب الضرر الى المجتمع “.( دستورالجمهورية الاسلامية الايرانية المادة 44  ، ص 63. ) وفي الحقيقة ان جوهر الصراع  بين التيارين  يتمحورحول هذه المادة ،  فقد تطورت ومنذ انتهاء الحرب  العراقية  الايرانية و حتى اليوم  وبفعل تغلل الحرس الثوري في كل مفاصل  جسم الدولة  الايرانية ، برجوازية  جلبت ثروتها بطرق غيرشرعية وعبرعسکرة الاقتصاد واعطاءه افضلية  على الاقتصاد المدني  مما  يعني ترجيح الراسمالية التجارية العسكرية على  الراسمالية  التجارية العادية و تقوية  الجناح العسكري على حساب  الجناح المدني في  الحكم  ،  ولهذا الغرض شكل قادة الحرس وكبار الشخصيات المتحالفة معهم  سواءا  كانت دينية اوغير دينية  كبرى الشركات والبنوك  ولم يعلن عن اسماء اصحابها قط  .ترى كيف حصلوا على هذه  الاموال  واين تذهب ارباحها  ، وكل الحسابات و الكتابات هي بيد الحرس الثوري، ويسيطر الحرس في الوقت الحاضر على جميع النشطات المتعلقة بالتجارة الخارجية و بالنشاط النووي وصناعة وانتاج السيارات  وكذلك المصانع  والمعمامل  المرتبطة  بالتصنيع العسكري والاتصالات  فالارقام المتعلة بواردات  البلاد من الخارج تدور في  فلك مبلغ ال 60 مليار دولار في العام .( طريق الشعب  العدد 238 ،  16|10 | 2009 ) . السيطرة على تجارة البترول : و اكثر ما يشغل  بال  الحرس  الثوري  الايراني  و الذي انخرط اصحابه في مجال مزاولة التجارة  الخارجية هو السيطرة على النفط وعلى كيفية استخراجه و بيعه وكذلك  استغلال  ما يملكه من  قوة  للسيطرة  على المؤاني  و طرق الامداد التجاري  الى داخل البلاد وكذلك احكام قبضته  على  تصنيع و بيع السيارات  المنتجة في ايران  و احكام  القبضة  على سوق الاسلحة في المنطقة  مما يمكن ان تنتجه مصانع السلاح في ايران وتصديره الى دول المنطقة وفعلا ان قسما من هذا السلاح يصدر الى حزب الله في لبنان و الى  الحركات المناهضة لحكومة اليمن  بالمجان . اما فيما يتعلق بالمحورالثاني فيرى  جناح الاصلاحيين  ان  الجمهورية الاسلامية  وفي ظل  حكم المتشددين تبدلت الى جمهورية رعب وخوف وخيم عليها الاستبداد والذي شمل الفكر والعقيدة و التعبير وحرية الصحافة  و منع  التحزب و العمل النقابي  والانتهاك المستمر لحقوق الانسان ولمؤسات المجتمع المدني  بالاضافة  الى الاستبداد الديني و الاضطهاد القومي  و انتهاك حقوق المرأة  و التجاوز على كرامة المواطنيين في شتى المجالات  الانسانية والاجتماعية ، لهذا نرى التيارالاصلاحي  شدد في حملته الانتخابية  على  مثل هذه الامور فعلى سبيل المثال  اكد في بيانه على  الاهتمام في تنفيذ  المواد 3 و12 و13 و15و19  ، فالفقرة 6 من المادة 3 من الدستور تؤكد على  “محو اي صورة من صور الاستبداد  والانانية و احتكار السلطة  “و الفقرة 7  “تؤكد على ضمان الحريات السياسية و الاجتماعية في حدود القانون “و الفقرة  8 “اسهام عامة الناس  في تقريرمصيرهم السياسي والاجتماعي والثقافي”  والفقرة 9   تؤكد على “رفع التميز غير العادل  واتاحة  تكافؤ الفرص  للجميع  في كل المجالات المادية و المعنوية ” و الفقرة7  تؤكد على ”  ضمان الحقوق للجميع  نساءا  و رجالا و ايجاد الضمانات القضائية العادلة لهم ، اما المادة  12 و13 تتحدث عن الاديان و المذاهب في اشارة الى الاضطهاد الديني اما المواد 15 و19 تتحدث عن الاضطهاد القومي ، وفي الحقيقة ،  ان كل المواد المشار اليها في هذا المقال قد وردت في البرنامج السياسي الانتخابي لكل من المرشحين الاصلاحيين . الاشارة  الى الاضطهاد القومي و الديني : وهنا  سوف اكتفي  بالاشار الى الاضطهاد القومي والديني  فقد ورد  في  هذا البرنامج  و لاول مرة تأكيد صريح من قبل المرشحين لايجاد طريق لتسوية المسالة القومية و الدينية  التي تعاني منها ايران منذ فترة طويلة  فاكدا  على  ان ” ايران   تعود لكل الايرانيين ويقطن البلد  قوميات كثيرة وفي  الحقيقية ان الاقليات القومية  و الدينية تشكل اكثرية  الامة الايرانية  وان تخصيص ايران  لهذا الجناح  او هذه المجموعة و هذا الجزء من المجتمع وعدم الاهتمام  بحقوق  باقي القوميات والاديان  والاجحاف بحقهما  يعد من  اكبر انواع  الظلم  الذي يهدد  الوحدة الوطنية ” و يضيف كروبي  في بيانه ” انني  في حال فوزي في الانتخابات  سوف ” اعمل على  احياء الحقوق القومية  والدينية الخ .. ” كما اكد ايضا انه فيما اذا فاز في الانتخابات : ” سوف  اشارك في وزارتي المستقبلية  كل الاقوام واهل السنة و الشيعة و سوف اسعى الى ازالة التمييز السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي و الاداري و انني لا اتحمل التهميش و النظر الى الاقليات  الدينية و القومية من الزاوية الامنية. ” احتكارالسلطة : وفي المقابل نرى جناح احمدي نجاد قد احتكر كل مفاصل  الدولة السياسية و الاقتصادية  وذلك عبرعسكرة البلاد  وفرض الاحكام العرفية ورفض اي نوع من التعاطي و المرونة فيما يتعلق بالحقوق  القومية و الدينية  والنسوية والكثير من الحقوق الاخرى و الاهم من ذلك  سيطرته على المفاصل الاقتصادية للبلاد واستحواذه على معظم الثروة  ادى الى اتساع الهوة بين  الاغنياء  و الفقراء يوما  بعد يوم  ناهيك عن ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع معدلات البطالة ، كما انه انتهج خطابا ديموغوجيا قوميا  يتلاعب من خلاله بمشاعر الجماهير باستعراضاته العسكرية واصراره على مشاريعه النووية واطلاق التهديدات المستمرة ، مما فرض عزل دولية خانقة على  البلاد. ومن هنا  فان الحراك  الدائر رحاه الان  في ايران و الذي عبرعنها  بالاحتجاجات  التي قادها الاصلاجيين هو في الحقيقة يشكل جزءا من حراك عام  من اجل الحرية و الديمقراطية  و تحقيق العدالة الاجتماعية بكل ابعادها الثقافية والسياسية والاجتماعية ولربما  سوف تتجاوز حدوده  اطار النظام  الراهن  نحو نظام  اكثرعدلا وديمقراطية  وهذا ما عملت عليه الشعوب الايرانية  منذ بداية القرن الماضي وحتى يومنا هذا .

شاهد أيضاً

الإضربات ودورها في إسقاط الأنظمة الديكتاتورية

الإضربات ودورها في إسقاط الأنظمة الديكتاتورية علي شبيبي لعبت الاضرابات التي قام بها العاملون في …