في إحدى الليالي قال له برنان: أمامنا دقيقتان لدعم هجوم يمني على «القاعدة».. فرد الرئيس: حسنا امض في ذلك
هرع الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى المكتب البيضاوي عندما جاءت رسالة في إحدى الليالي مفادها أنه تم تحديد مكان مسلحين من
تنظيم القاعدة في اليمن، وأن العسكريين (البنتاغون) يريدون دعم هجوم تنفذه القوات اليمنية. وبعد نقاش سريع، قال مستشاره المتخصص في مجال مكافحة الإرهاب جون برنان إن الوقت المتاح للقيام بهجوم يوشك على الانقضاء. وقال برنان «أمامي دقيقتان هنا». فرد الرئيس «حسنا، امض بذلك».
وعلى الرغم من أن الرئيس أوباما استغرق ثلاثة أشهر كانت في بعض الأحيان مثيرة لاتخاذ قرار بشأن إرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان، فإن بعض القرارات بحكم منصبه كقائد أعلى للقوات يجب أن تتخذ بسرعة وبدراسة أقل كثيرا وبعيدا عن متابعة الناس.
ويعد أوباما الرئيس الأول خلال أربعة عقود الذي يصل إلى منصبه وهناك حرب دائرة فعلا في اليوم الأول من توليه المنصب – في الواقع إنها حربان بالإضافة إلى بعض الأشياء الصغيرة الملحقة بهما – كما أن تعليمه كقائد أعلى للقوات لا خبرة لديه في المجال العسكري أشبه بمنحى حاد. وقد تعلم أوباما كيف يلقي التحية العسكرية. وقد تصفح مواقع إلكترونية على شبكة الإنترنت ليلا ليعرف معدل الخسائر بين صفوف القوات. وقابل جنودا شبابا أصيبوا بجروح بعد أن نفذوا أوامره. كما أنه يحاول إدارة علاقة متوترة مع المؤسسة العسكرية.
وخلال ذلك، واجه أوباما بعض أكبر الخيارات التي يمكن لرئيس اتخاذها، وغالبا ما ينزل عند رأي مستشارين عسكريين، لكنه يحاول صياغة القرارات بتقييماته الخاصة. ومن المقرر أن يصل تطوره من مرشح رئاسي مناوئ للحرب إلى قائد الجيش الأكثر قوة في العالم إلى مرحلة مهمة غدا الثلاثاء عندما يلقي خطابا داخل المكتب البيضاوي ينهي فيه رسميا المهمة القتالية داخل العراق، ويدافع فيه عن زيادة عدد القوات داخل أفغانستان.
وبعد مرور عام ونصف العام على توليه منصب الرئيس، يبدو أوباما محاربا مترددا. وحتى في الوقت الذي يسحب فيه قواته من العراق، فإنه راغب بدرجة كبيرة في استخدام القوة من أجل تحسين المصالح الوطنية، وقام بزيادة عدد القوات داخل أفغانستان بمقدار ثلاثة أضعاف، وسمح بعمليات سرية داخل اليمن والصومال، وزاد وتيرة الضربات الجوية باستخدام طيارات من دون طيار داخل باكستان. لكن يقول مستشارون إنه لا ينظر إلى نفسه على أنه رئيس حرب مثلما كان يفعل سلفه. وسيكون خطابه غدا حدثا بارزا لأنه لا يتحدث علنا عن الحروب إلا بصورة متقطعة، ويصر على ألا يجعلها تحدد شكل ولايته الرئاسية.
وعلى الرغم من أن جورج دبليو بوش (الرئيس السابق) كان ينظر إلى الحروب داخل العراق وأفغانستان على أنها مهمته المحورية وفرصة لتغيير مناطق مهمة، فإن الرئيس أوباما ينظر إليها على أنها «مشكلات في حاجة إلى الإدارة»، على حد تعبير أحد مستشاريه، في الوقت الذي يمضي فيه قدما من أجل تغيير أميركا، والنتيجة، طبقا لمقابلات مع عدد كبير من المسؤولين في الإدارة وقادة عسكريين وخبراء في مجال الأمن القومي، توازن مربك بين رئيس يخشى من التزام لا نهاية له، وجيش يخشى من أنه لم يصرف اهتماما كبيرا للقضية.
وقال وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس في مقابلة أجريت معه «أمامه الكثير من القضايا المهمة جدا، وأعتقد أنه لا يريد أن يخلق انطباعا بأنه منشغل بهاتين الحربين بالدرجة التي تصرفه عن التعامل مع قضايا محلية تشغل حيزا كبيرا من تفكير المواطنين». وأضاف أنه على الرغم من ذلك فقد خصص الرئيس أوباما وقتا وتفكيرا طويلا للوصول إلى الوسائل المناسبة. وقال «منذ البداية، كان حاسما وكان مستعدا إلى اتخاذ قرارات مهمة».
ويقول السيناتور جاك ريد، وهو ديمقراطي من رود آيلاند يقدم استشارات في بعض الأحيان إلى أوباما، إن الرئيس يواجه واقعا صعبا. ويضيف «لقد تولى منصب الرئاسة ولديه رؤية استراتيجية مناسبة جدا. وما حدث خلال الأشهر التي تخللت ذلك، كما هو الحال مع كل رئيس، أنه بدأ يفهم صعوبة ترجمة الرؤية الاستراتيجية إلى واقع عملي».
ويقول مستشار رئاسي سابق، أصر مثل آخرين على عدم الكشف عن هويته حتى تتسنى له مناقشة الوضع بصورة صريحة، إن علاقة أوباما مع الجيش كانت «بها مشكلات»، وإنه «لا يستوعب الوضع تماما». وستواجه هذه العلاقة اختبارا أكبر بنهاية العام عندما يقوم أوباما بتقييم استراتيجيته الخاصة بأفغانستان قبل الموعد النهائي في يوليو (تموز) لبدء الانسحاب، وكما قال مسؤول في الإدارة «فإن دوره كقائد أعلى للقوات سيواجه اختبارا مجددا وبصورة درامية».
وكان أوباما يبلغ من العمر 11 عاما ويعيش في هاواي، عندما غادرت آخر القوات الأميركية المقاتلة فيتنام، وكان صغيرا جدا عن أن يشارك في الخلافات الاستقطابية في ذلك الوقت، وعن مواجهة الخيارات التي اتخذها آخر رئيسيين فيما يتعلق الجيش. ويقول ديفيد أكسلرود، مستشار أوباما البارز «في الواقع، إنه أول جيل من الرؤساء الجدد الذين لم يعايشوا ذلك، إذ لم يشهد أوباما النقاش الذي دار بشأن فيتنام».
وعندما كان مرشحا لرئاسة دولة في حالة حرب، كان أمامه الكثير ليتعلمه، حتى بالنسبة إلى أساسيات مثل الاحتفالات العسكرية والألقاب. وقامت حملته الانتخابية بتعيين جنرالات متقاعدين ليقدموا استشارات. لكن، كان عليه أن يستغرق وقتا ليتكيف مع الأوضاع بعد أن أصبح رئيسا. ويتذكر أحد مساعديه أنه في المرة الأولى التي دخل فيها غرفة بها جنرالات، دُهش عندما رآهم يقفون. وقال أوباما بحسب ما ذكره المساعد «اجلسوا يا قوم، لا يلزم القيام بذلك».
وربما كان مرشده الأكثر أهمية هو غيتس، وزير الدفاع الذي عينه بوش وأول وزير يبقيه رئيس من حزب آخر. ولا يمكن القول بأنهما نظيران، فأوباما محام تخرج في هارفارد يبلغ من العمر 49 عاما تحول إلى ناشط أهلي. أما غيتس فهو محارب يبلغ من العمر 66 عاما اختبر العمل الاستخباراتي إبان الحرب الباردة وعمل في إدارات جمهورية. لكن كليهما معروف بالانضباط، وكانا يعقدان اجتماعات أسبوعية ويشتركان في مواجهة التحديات.
وقد اعتمد أوباما على غيتس كسفير له لدى المؤسسة العسكرية، وكان يستجيب لرأيه كثيرا. وعندما أراد غيتس الإطاحة بالجنرال ديفيد ماكيرنان في مايو (أيار) 2009 كقائد للقوات داخل أفغانستان وأن يحل مكانه الجنرال ستانلي ماكريستال، وافق أوباما على ذلك. ولمعرفته بفشل مسعى بيل كلينتون من أجل إنهاء الحظر على الجنود المثليين جنسيا، ترك أوباما غيتس يحدد وتيرة بطيئة لتغيير مبدأ «لا تسأل ولا تخبر أحدا»، على الرغم من أن ذلك أحبط النشطاء المدافعين عن حقوق المثليين.
وحتى على الرغم من تعهده الانتخابي بالانسحاب من العراق، ساوم أوباما خلال الأيام الأولى من ولايته الرئاسية لاستيعاب مخاوف الجيش. وبدلا من انسحاب القوات المقاتلة خلال 16 شهرا كما وعد، وافق على جدول زمني من 19 شهرا، كما وافق على أن يترك 50.000 جندي بدلا من قوة أصغر.
لكن، بمرور الوقت في المنصب، أظهر أوباما استعدادا أكبر لأن ينحي رأي غيتس جانبا. وعندما واجه الجنرال ماكريستال مشكلات في يونيو (حزيران) بسبب تعليقات أدلى بها لمجلة «رولينغ ستون»، كان غيتس يفضل توجيه تأنيب قاس للقائد. لكن الرئيس أوباما قرر الإطاحة به، وجاء بالجنرال ديفيد بترايوس، الذي أشرف على زيادة عدد القوات داخل العراق.
ويقول غيتس «كان رد فعلي الأولي مفاده أنه إذا تم سحب ماكريستال بخبرته وعلاقاته، سيكون لذلك أثر على الحرب. ولم يتبادر إلى ذهني نقل بترايوس إلى هناك. وعندما أثار الرئيس ذلك معي في اجتماع سري، كان بمثابة شرارة أضاءت، فقلت نعم سينجح ذلك».
ومثلما وفر الإبقاء على غيتس غطاء سياسيا لصورة الديمقراطيين الضعيفة لدى المؤسسة العسكرية، فقد أحاط أوباما نفسه بعدد من الضباط النظاميين. وأبقى على منسق الحرب إبان رئاسة بوش اللفتنانت جنرال دوغلاس لوت، وعين الجنرال جيمس جونز مستشارا للأمن القومي. ويقول بروس ريدل، وهو زميل بارز في معهد «بروكينغز» ترأس مراجعة أوباما الأولى للأوضاع داخل أفغانستان «اختيار الجنرال جونز كان نوعا من الوقاية».
لكنهم لم يكونوا دائما في موقع السيطرة. وكثيرا ما كان يتفوق على الجنرال جونز مستشارون أصغر سنا متخصصون في السياسة الخارجية ولهم علاقات أقرب مع الرئيس. وانتهى أوباما إلى تنحية دينيس بلير من منصب مدير الاستخبارات الوطنية، ووافق على زيادة عدد القوات داخل أفغانستان على الرغم من تحذيرات اللفتنانت جنرال كارل إيكنبري، سفيره في كابل.
وعلى الرغم من أن الجنرال ماكريستال وصف في «رولينغ ستون» أوباما بأنه كان خائفا في اجتماعه مع قادة عسكريين في مستهل ولايته الرئاسية، فإن حضورا آخرين لم يوافقوا على ذلك. ويقول ريدل «لم يبد بالنسبة لي أنه كان خائفا». وأضاف «في الواقع بدا شخصا يستوعب الأمر تماما، ومحبطا شيئا ما، لأنه كانت تأتيه إجابات معقدة على ما بدت له أنها أسئلة سهلة – مثل كم عدد القوات التي تحتاجها؟».
وعلى ضوء المشكلات التي واجهها الاقتصاد، كان أوباما مصرا على ألا تكون الحربان مصدر تشتيت كبيرا له. وعندما عقد اجتماعا عبر دائرة تلفزيونية مغلقة بشأن العراق في اليوم الأول له في منصبه، بحسب ما يتذكر مسؤولون، قال «يا قوم، قبل أن تبدأوا هناك شيء واحد أريد قوله، وهو أنني لا أريد إرباك الأوضاع».
لكن، على الرغم من أنه أولى مساحة كبيرة من التفكير لإنهاء الحرب داخل العراق، فإنه لم يقض وقتا كبيرا في التفكير في الأوضاع داخل أفغانستان على الرغم من تعهده الانتخابي بأن يرسل المزيد من القوات إلى هناك. وعندما تولى منصبه، وجد طلبا عاجلا لتعزيز الجهد الناشئ. وبعد تحذير جنرالات من أنه لا يمكنه الانتظار حتى دراسة الوضع، فرض نفوذه على نائب الرئيس جوزيف بايدن وأرسل 21.000 جندي إضافي. ويعلق غيتس على ذلك قائلا «بصراحة، حسبت معه في تلك المرحلة أن الأمر قد انتهى». لكن خلال أشهر طلب الجنرال ماكريستال قوات إضافية قوامها 40.000 جندي. ويقول غيتس «بالتأكيد دهشت عندما طلب الجنرال ماكريستال ذلك، وأعتقد أن هذا حدث مع الرئيس أيضا».
ولأنه يعتمد على غيتس، لم يبذل أوباما جهدا كبيرا لمعرفة قيادات الجيش أو القادة البارزين، ولم يقم بزيارة البنتاغون سوى مرة واحدة، ليس من بينها الزيارات في ذكرى 11 سبتمبر (أيلول). وأنهى الاجتماعات عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة التي كان يعقدها بوش أسبوعيا مع القادة، وفضل العمل عبر تسلسل قيادي، ويقول مساعدون إنه كان يخشى من الانزلاق في إدارة حربين.
وعليه، فقد كشف طلب ماكريستال المزيد من التعزيزات عن ضعف الثقة المتبادل، لا سيما بعد أن تسرب ذلك إلى وسائل الإعلام الإخبارية. واشتكى الرئيس من أنه يتم حصره في خانة ضيقة فيما كان يخشى الجيش من أن تدفع الأوضاع السياسية القرار. وفي مرحلة ضغط دينيس ماكدونو، نائب مستشار الأمن القومي، على الأدميرال مايك مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة، لوقف التسريبات من جانب الجيش، بحسب ما ذكره أفراد على اطلاع بالمحادثة. وتساءل الأدميرال مولن بشدة عما إذا كان ذلك سيتم تطبيقه أيضا على رئيس طاقم البيت الأبيض رام إيمانويل، الذي كان متشككا في طلب زيادة القوات.
ويقول غيتس «لو كنت داخل البيت الأبيض، لكنت تشككت في الأمر». وأضاف «تسريب تقييم ماكريستال كان مضرا بصورة واضحة خلال عملية التقييم، لأنه وضع الرئيس في موقف صعب. وكان موقفي أن ذلك لم يكن محاولة متعمدة لإحراج الرئيس، لكنه عدم انضباط».
وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعطى الرئيس الجيش 30.000 جندي إضافي، لكن بدأ العد التنازلي. وكان سيبدأ سحب القوات في يوليو على أساس أنه حال عدم وجود تقدم واضح حينها، فإن ذلك سيعني أن الاستراتيجية لا تسير على النحو الصحيح. ورأى البعض ذلك مثل رشوة لقاعدته المناوئة للحرب. واعتبر آخرون أن ذلك تأكيد على سيطرته على المؤسسة العسكرية، التي تعلم كيف تتفوق على البيت الأبيض في المناورة.
ويقول لورانس كورب، وهو مسؤول سابق في البنتاغون في المركز الليبرالي للتقدم الأميركي «لم يفهم أو يدرك ثقافة الجيش. لقد تغلب على تلك الورطة وأعاده إلى الصندوق بأن قال: حسنا، أمامكم 18 شهرا».
وذكر أحد المستشارين في ذلك الوقت أن حسابات أوباما قامت على أساس أن التزاما مفتوحا غير محدد الوقت من شأنه تقويض باقي عناصر أجندته. وأضاف المستشار «اتسمت سياستنا تجاه أفغانستان بقدر من التركيز مكافئ لما اتسمت به جميع سياساتنا الداخلية. لم يكن باستطاعة أوباما المخاطرة بفقدان المنتمين للتيارين المعتدل والوسط من الديمقراطيين في خضم جهود إصلاح الرعاية الصحية، وقد نظر إلى هذا التشريع باعتباره سينتهي إما بنجاح باهر أو إخفاق ذريع لإدارته».
من جانبهم، يرفض مسؤولو البيت الأبيض هذا الربط، لكنهم قالوا إن أوباما رأى أنه ينبغي الحكم على الحروب بالقياس إلى الأولويات الأخرى.
وفي إطار استعداده لإعلان قراره في ديسمبر الماضي، عكف أوباما على قراءة خطاب الوداع الذي ألقاه الرئيس الأسبق وايت دي أيزنهاور، واقتبس منه سطرا في خطابه الذي ألقاه في «ويست بوينت»: «يجب تقييم كل مقترح في ضوء اعتبارات أوسع، وهي الحاجة للإبقاء على التوازن في وبين البرامج الوطنية».
وسعى أوباما للمعلومات بنفسه، وشرع في كتابة بعض الأسئلة على هوامش المذكرات وتصفح شبكة الإنترنت. خلال أحد الاجتماعات، فاجأ الجنرالات باستشهاده بدراسة عن اضطرابات ما بعد الصدمة بين الجنود الذين يشاركون في مهام متكررة.
وعن هذا الأمر، قال جنرال جونز، مستشار الأمن القومي «إنه يقرأ كثيرا، ويحرص على دراسة القضايا قبل الجلوس على الطاولة لتناولها – وهو أمر يحظى بتقدير العقلية العسكرية. عندما يجلس لتناول قضية ما، تجد أنه أدى واجبه المنزلي تماما».
وفي مواجهة خصوم قساة ومراوغين، تحول أوباما على نحو متزايد نحو نمط الضربات التي أجازها في اليمن، واستخدام الطائرات من دون طيار بباكستان، وهو نمط من الحروب لا يحمل سوى مخاطرة ضئيلة على الأرواح الأميركية، رغم تشكيك نقاد في مدى حكمتها وفاعليتها، بل وأخلاقيتها.
إلا أن أوباما يواجه أيضا تداعيات أعمال القتال المباشر التي أمر بتنفيذها. العام الماضي، توجه إلى قاعدة دوفر الجوية في ديلاوير لاستقبال عدد من النعوش تحمل جنودا. وخلال اجتماع لاحق مع مستشاريه، أعرب أوباما عن غضبه إزاء من يشككون في التزامه. وقال «لو لم أكن أرى أن هذا الأمر يستحق، فإن زيارة واحدة لدوفر كانت كفيلة بدفعي لإعادة جميع الجنود إلى الوطن، أليس كذلك؟».
وفي مارس (آذار)، أثناء زيارته الأخيرة لأفغانستان خلال فترة رئاسته، التقى بجندي مصاب، ربما في الـ19 من عمره، فقد ثلاثة من أطرافه. وأثناء مغادرته أفغانستان، أخبر أوباما مستشاريه في لحظة تأثر عاطفي «عندما أصل مكانا كهذا – أو والتر ريد – يصعب علي إيجاد أي شيء لقوله».
وظلت هذه اللحظات عالقة في ذهنه، فبعد ثلاثة شهور، في أعقاب الإطاحة بالجنرال ماكريستال، دخل أوباما غرفة الطوارئ بالبيت الأبيض وأشار إلى المراهق الذي فقد ثلاثة من أطرافه أثناء توبيخه مستشاريه عن المشاحنات الداخلية التي أدت في النهاية لإجبار الجنرال على الاستقالة. وقال «لدينا الكثير من الصبية داخل الميدان يتصرفون كالبالغين، ولدينا الكثير من البالغين داخل هذه الغرفة يتصرفون كالصبية».
إلا أن الانقسامات في صفوف الفريق المعاون له نابعة في جزء منها من الشكوك المحيطة بحقيقة التزامه. وربما يعود تحفظه في الحديث كثيرا علانية عن الحرب إلى التكاليف السياسية المترتبة على إثارة سخط قاعدة تأييده، بجانب متطلبات القضايا الأخرى. وقال مسؤولون بارزون في البنتاغون وآخرون عسكريون إنهم يتفهمون حقيقة أنه تولى الرئاسة خلال فترة تتسم باقتصاد مضطرب، لكنهم نبهوا إلى أنه لا يخسر 30 جنديا أميركيا شهريا في وول ستريت.
وتجلت الحساسيات المنطوية على جذب الانتباه تجاه الحرب في أفغانستان المفتقرة إلى الشعبية، خاصة الشريك الأميركي هناك المثير للقلق، أثناء زيارة الرئيس حميد كرزاي مايو الماضي. ورغب الجنرال ماكريستال والسفير إكينبري في مرافقة كرزاي إلى فورت كامبل في كنتاكي لتحية الجنود المتجهين إلى أفغانستان، لكن البيت الأبيض اعترض على ذلك باعتباره ربما يحمل رسالة خاطئة توحي كما لو كان الأميركيون يحاربون لحساب كرزاي. وتوصلوا في النهاية لحل وسط بأن يرافق غيتس أيضا الرئيس الأفغاني، لكن من دون مرافقيه الإعلاميين.
وقال بيتر دي فيفر، مستشار بوش للاتصالات العسكرية «الانطباع هو أنه لم يتبنها، وأنه يجب جره لفعل الأشياء (في إشارة إلى الحرب)»، معربا عن اعتقاده بأن «هناك شكوكا عميقة داخل المؤسسة العسكرية حيال التزام أوباما بإنجاز الحروب لنهايتها حتى الوصول لنهاية ناجحة».
ويشعر قطاع واسع من الرأي العام أيضا بالحيرة إزاء استراتيجية الرئيس نحو أفغانستان، حسبما اعترف مساعدون بالبيت الأبيض وعدد من منتقديهم. في هذا الصدد، قال ريتشارد هاس، رئيس «مجلس العلاقات الخارجية»، الذي يعارض الاستراتيجية «لم تكن هناك سوى لحظات قليلة حاول خلالها تركيز اهتمام الأمة على أفغانستان لأنها، بصراحة شديدة، تتنافس مع أولويات أخرى. ربما كان ذلك أحد الأسباب وراء انحسار التأييد العام لها لأنهم يرون التكاليف، ولا يدرون ما الذي يفكر فيه أوباما».
وإذا كانت أزمة الجنرال ماكريستال سلطت الضوء على التوترات القائمة، فإن رد فعل أوباما ربما يكون قد ساعد في التخفيف من حدتها. من جهته، قال ستيفين بيدل، من مجلس العلاقات الخارجية، الذي ينتقد الموعد الزمني النهائي الذي حدده أوباما للانسحاب «تكمن المفارقة في أن طرد ماكريستال أسهم بصورة إيجابية، لأن أوباما تعامل مع الأمر على النحو نفسه الذي كان غالبية المسؤولين العسكريين سيتبعونه لو كانوا مكانه».
وربما كان الأهم من ذلك اختياره للجنرال بترايوس لتولي القيادة محل ماكريستال. جدير بالذكر أنه عندما كان سيناتورا، عارض أوباما زيادة أعداد القوات الأميركية في العراق بقيادة الجنرال ماكريستال، والتقى الاثنان في بغداد خلال مقابلة سادها الحذر، عندما زار أوباما البلاد باعتباره مرشحا رئاسيا عام 2008. وبعد تولي أوباما الرئاسة، لم تعد التفاعلات المنتظمة التي حظي بها الجنرال بترايوس مع بوش قائمة مع الرئيس الجديد.
إلا أن أوباما تولد لديه تقدير لذكاء بترايوس وتفانيه. ودعا الجنرال لاستقلال طائرة الرئاسة معه إلى «ويست بوينت» لإلقاء خطابه الذي أعلن خلاله زيادة أعداد القوات الأميركية بأفغانستان. بعد ستة شهور، في أعقاب الإطاحة بالجنرال ماكريستال، بعث الرئيس مساعده الشخصي للعثور على الجنرال بترايوس وإحضاره إلى المكتب البيضاوي للدخول في حديث مباشر مع الرئيس. وقبل بترايوس التعيين من دون حتى أن ينال فرصة الحديث إلى زوجته هاتفيا لإخبارها.
وقال ريديل، المستشار السابق لأوباما «إنها مفارقة غير عادية. لقد وضع، مثلما حدث مع بوش من قبله، كل رهانه على الطاولة على شخص واحد – وهو الشخص ذاته».
* خدمة «نيويورك تايمز»