مصادر فرنسية رسمية لـ«الشرق الأوسط»: أبلغنا الوسطاء بأن لا قدرة لدينا للتأثير على محكمة الحريري
وجه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي انتقادات قاسية لإيران متهما إياها بأنها تشكل «القلب في قوس الأزمات» الملتهبة في العالم
والممتدة من حدود باكستان وحتى دول الساحل الأفريقية. واعتبر ساركوزي أن إيران «تغذي العنف والتطرف في المنطقة»، وأنها «خصوصا تمثل التهديد الأساسي للأمن الدولي في ميدان انتشار الأسلحة النووية».
وجاءت اتهامات ساركوزي في إطار الخطاب الذي افتتح به بعد ظهر أمس المؤتمر الثامن عشر للسفراء الفرنسيين في العالم في قصر الإليزيه. ويشكل الخطاب جولة شاملة في السياسة الدولية وبمعنى ما «خارطة طريق» للدبلوماسية الفرنسية وطموحاتها قبيل تسلم باريس رئاسة مجموعة الثماني للدول الأكثر تصنيعا ومجموعة العشرين.
وكرس ساركوزي ست فقرات لإيران في خطابه المشكل من 12 صفحة لينبه إلى «النتائج الخطيرة» المترتبة على عدم ترك إيران تطور برنامجها النووي، إذ سيعني ذلك إما «تعميم السلاح النووي في المنطقة وإما التدخل العسكري (ضربة ضد إيران لم يحدد مصدرها)، وعلى أي حال نشوء أزمة رئيسية» في العالم.
ودافع الرئيس الفرنسي عن العقوبات المشددة التي فرضت على إيران سواء في مجلس الأمن الدولي أو العقوبات الإضافية التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وأطراف أخرى. ودحض ساركوزي الرأي القائل إن العقوبات «إما أنها لا تمشي وإما أنها تقود إلى الحرب» ليؤكد أن العقوبات «تفشل عندما تكون ضعيفة ومن غير هدف واضح»، وهذه ليست حال العقوبات الحالية «لأن غرضها إفهام إيران أن خياراتها لها ثمن مرتفع ومتصاعد وأن هناك بديلا» عن التصعيد، هو المفاوضات الجدية. غير أن ساركوزي تساءل: «هل إيران مستعدة للتفاوض؟» إلا أنه ترك الجواب للتطورات التي ستحصل الشهر القادم، حيث من المنتظر أن تجري مفاوضات في فيينا بين طهران والأطراف الدولية والوكالة الدولية للطاقة الذرية، متمنيا أن تكلل المفاوضات بالتوصل إلى اتفاق «يأخذ بعين الاعتبار المخاوف الدولية ولكن أيضا مخاوف جيران إيران الذين يتعين استشارتهم» حول أي اتفاق ممكن.
وحرص على الإعراب عن ارتياحه للبدء في تشغيل مفاعل بوشهر النووي المدني، مؤكدا أن لإيران الحق في هذا النشاط الذي لا يجوز أن يبقى محصورا في يد مجموعة ضيقة من الدول دون غيرها. لكنه سارع إلى القول إن «بوشهر» الخاضع إلى الرقابة الدولية والروسية «ليس المشكلة» بل إن المشكلة في نشاطات إيران النووية الأخرى.
واستبق ساركوزي الفشل المحتمل لهذه المفاوضات ليدعو للتحضر «من أجل حماية الدول التي تشعر أنها مهددة» من قبل إيران. لكن الرئيس الفرنسي امتنع عن شيئين: الأول تحديد هوية الدول التي يقصدها، والثاني الدور الذي يمكن أن تضطلع به فرنسا على هذا الصعيد، علما بأن لها قاعدة عسكرية متواضعة في أبوظبي ولها اتفاقات دفاعية مع الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت.
واحتل الملف الفلسطيني – الإسرائيلي حيزا مهما في كلمة ساركوزي الذي نفى أن يكون بقاؤه السبب «الأوحد» للعنف في «قوس الأزمات». لكنه في المقابل اعتبر أن التوصل إلى اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين «سيحول المعطى السياسي» في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن شكل الاتفاق معروف. لكنه مع ذلك نوه إلى ضرورة أن تقوم الدولة الفلسطينية «على حدود عام 1967» وبالتوافق مع مبادرة السلام العربية. وإذا تحقق هذا الهدف، فإن ساركوزي يرى أنه سيكون أفضل ضمانة أمنية لإسرائيل وانخراطها في المنطقة. وحث ساركوزي الأسرة الدولية على «مواكبة» مسيرة السلام. أما بالنسبة إلى فرنسا، فقد أكد الرئيس ساركوزي على استعدادها لاستضافة مؤتمر «باريس 2» للدول والهيئات المانحة لتمويل بناء الاقتصاد وبناء الدولة الفلسطينية. لكن «معنى» المؤتمر تخطى وفق ما قاله الجوانب المالية والاقتصادية ليشكل «علامة قوية» على «رغبة» الأسرة الدولية في تحقيق «حل الدولتين».
وقالت مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط» إن باريس ترغب في انعقاد المؤتمر قبل نهاية العام الحالي ليكون امتدادا لـ«باريس 1» الذي ينتهي مفعوله في شهر ديسمبر (كانون الأول) القادم. غير أن ساركوزي لم ينس الملف السوري، فقد أشار إلى تكليف السفير جان كلود كوسران بـ«مهمة» البحث عن معاودة إطلاق المفاوضات السورية – الإسرائيلية التي كانت تركيا وسيطا فيها حتى اندلاع حرب إسرائيل على غزة. وكان لافتا أن الرئيس الفرنسي أشار إلى دور باريس «إلى جانب تركيا»، مما يمكن اعتباره رغبة في «مراعاة» أنقرة من جهة، وطمأنة لسورية التي لا تريد ضياع الدور التركي باعتبار أن تركيا كانت «شاهدا» على التقدم الذي حصل مع الجانب الإسرائيلي من جهة أخرى.
ومر ساركوزي سريعا على الملف اللبناني. غير أن الفقرة التي كرست له «تنضح» بالقلق الفرنسي من المسار الذي تسلكه الأمور والأوضاع في لبنان، إذ اعتبر أنه «في الوقت الذي يعود الأمل فيه إلى المنطقة، سيكون من غير المقبول أن يغرق لبنان مجددا في العنف». وكان لافتا أن ساركوزي لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى المحكمة الدولية التي تبدو بمثابة الخطر الداهم على استقرار لبنان. وكرر الرئيس الفرنسي موقف بلاده القائل إنها «صديقة كل اللبنانيين» وإنها «تدعم المؤسسات الديمقراطية» وتعمل على توطيد استقراره وعلى تعدديته، معتبرا أن هدف الأسرة الدولية هو «استقرار لبنان» وهو ما تعكسه مهمة اليونيفيل. وفي هذا الخصوص، قالت أمس مصادر فرنسية دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط» إن مجلس الأمن الدولي سيمدد الاثنين القادم انتداب اليونيفيل لعام كامل دون تغيير لا في مهماتها ولا في قواعد الاشتباك. لكن قرار التمديد «سيأخذ في الاعتبار» المشكلات الأخيرة «التي واجهتها اليونيفيل في الجنوب، لجهة التأكيد على حرية التحرك والدعم الدولي الذي تحظى به».
وفي موضوع المحكمة، أكدت المصادر الفرنسية أن «ثمة من ينقل رسائل إلى فرنسا» عن خطورة القرار الاتهامي في حال استهدف حزب الله أو أعضاء فيه. غير أن باريس، وفق هذه المصادر، أبلغت من يعنيهم الأمر أن «لا قدرة لديها على التأثير على المحكمة أو المدعي العام»، كما أنها «متمسكة» باستقلاليتها. ولمن يقول إن الوقت غير مناسب، تساءلت هذه المصادر: «متى يكون الوقت مناسبا في لبنان؟».
وحذر ساركوزي من المخاطر المترتبة على تنامي الإرهاب عالميا، وخصوصا في «قوس الأزمات»، جاعلا من الحرب عليه «أولوية» فرنسية.