مناوشات دفاعية وهجوم مركز تمهيداً للمواجهة الشاملة |
بيروت – “السياسة”:
أثار السلوك المتناقض لـ”حزب الله” في الأيام الأخيرة تساؤلات في الأوساط السياسية عن حقيقة موقفه من المحكمة الدولية, فهو سلم “قرائنه” إلى مكتب المدعي العام الدولي القاضي دانيال بلمار عبر القضاء اللبناني, بناء على طلب رئيس الحكومة سعد الحريري, ما شكل اعترافاً غير مباشر بالمحكمة, ثم نقل معركته القضائية إلى مجلس الوزراء, عبر طلب ملاحقة “شهود الزور”, ما شكل أيضاً انخراطاً في عمل المحكمة. وفجأة خرج أحد مسؤوليه البارزين, محمود قماطي, معلناً أن هدف الحزب هو إلغاء المحكمة وقراراتها ومفاعيلها, وليس أقل من ذلك.
مصدر سياسي واسع الاطلاع أكد ل¯”السياسة”, أن أسلوب “حزب الله” يشبه تكتيك الحرب المتدحرجة ضد المحكمة الدولية, والتي تبدأ من مواقع دفاعية في مواقع محددة, وتنتقل إلى الهجوم حيث يمكن ذلك, بحيث يضطر الخصم إلى التراجع, ومن ثم تتحول إلى حرب شاملة إذا لم يتراجع, وعندما يكون النصر ممكناً ومضموناً. وقد عقدت قيادة الحزب سلسلة اجتماعات في الأيام الأخيرة خصصت لدرس موقف الطرف الآخر, أي الرئيس سعد الحريري وقوى 14 آذار, والرد عليه بالطرق المناسبة”.
وأضاف المصدر خلصت الاجتماعات إلى أن موقف الحريري, الذي عبر عنه على دفعات في الإفطارات الرمضانية, بقي دون المطلوب. فالحزب يريد من رئيس الحكومة تبرئته تماماً من اتهام المحكمة له, حتى قبل أن يصدر هذا الاتهام. وجاء نقل المعركة إلى داخل مجلس الوزراء تحت عنوان ملاحقة “شهود الزور” كوسيلة ضغط على الحريري, مترافقة مع ضغط “شارعي” ضد الحكومة تحت عنوان أزمة الكهرباء. وإذا كان الحريري ملتزما حتى الآن سقف التفاهم الذي أرسته القمة الثلاثية في بعبدا, وعبر بتصريحاته عن نوع من “الغموض البناء”, فإن الحزب يريد أن يوحي أنه ملتزم أيضاً بها, وعبر عن ذلك بتسليم القرائن, ومن ثم قبوله تكليف وزير العدل ابراهيم نجار بمتابعة موضوع “شهود الزور”. وهذا أيضاً نوع من “الغموض البناء”.
هذا السلوك من الطرفين يعني أنهما ما زالا في مرحلة انتظار لما سيأتي من لاهاي, فالقرار الظني يقترب, وعلى أساسه يتحدد الوضع السياسي والأمني في لبنان. وفي الانتظار ثمة مساحة للحوار وحلحلة بعض المسائل, مثلما حصل في جلسة مجلس النواب الأخيرة, في شأن “الحقوق الفلسطينية” وقانون النفط. من هنا وفي هذه المرحلة فإن الحرب على المحكمة, معركة دفاعية من هنا, وهجوم محدود من هناك.
في الجانب الآخر من المسألة, فإن الموقف الحازم للحريري وفريقه السياسي العريض, بالتمسك بالمحكمة الدولية كمرجع وحيد لتحقيق العدالة, أزعج الحزب إلى حد قرر إعلانه أنه يريد إلغاءها بالكامل. وهذا في الواقع هو الوجه الحقيقي للمعركة, فالطرفان يقفان على حدين متناقضين لا يمكن التوفيق بينهما, أو حتى العثور على مساحة مشتركة, يحاول النائب وليد جنبلاط إيجادها بابتداع نظرية عنوانها “التمييز بين المحكمة والقرار الظني”.
“حزب الله” يعرف أنه مع المحكمة لا توجد منزلة بين المنزلتين, فإما أنه متهم وإما أنه بريء بالكامل. وعلى هذا الأساس كلامه المتكرر عن تسييس المحكمة, لأنه في الأساس يرفض الحل السياسي للقرار الظني, أي أن يُتهم أفراد من جماعته بالاغتيال, ويصنفون, بتأييد من الحريري بأنهم عناصر غير منضبطة, لا علاقة بالقيادة بسلوكهم. هذا إذا صدر بالفعل هكذا اتهام.
ولأن عامل الوقت يضغط, فإن الحزب قدم خارطة طريق جديدة للمحكمة من شأنها أن تستغرق فيه سنوات وسنوات, فإذا لم تسلك هذه الطريق, وإذا لم يتراجع لبنان عن سلوك درب المحكمة, سيبدأ الحزب المرحلة الأخيرة من الحرب المتدحرجة, أي مرحلة الهجوم الشامل, وهذا ما عبر عنه صراحة قماطي.