التي تشكل سياسة التطهير العرقي لحمتها وسدها وهي تهدف اولا وأخير الى تغيير البنية السكانية للشعب العربي الأهوازي وتذويبه في بوتقة الثقافة الفارسية عبر شتى الأساليب، منها على سبيل المثال لا الحصر الاستيلاء على الارض، وجلب المهاجرين، وسد أبواب الرزق، هذه السياسة التي تتنافى كليا والأعراف والقوانين الدولية، ورغم أن السلطات الإيرانية استطاعت إن تقمع هذه الانتفاضة عبر وسائل القهر والتنكيل إلا أن جذوتها بقيت مشتعلة وها هي تدخل عامها الثاني و أن فعلها تجاوز منطقة الأهواز لينتقل إلى مناطق أخرى من إيران وما المظاهرات الصاخبة التي اندلعت في إقليم كردستان على خلفية قتل المناضل الكردي شوانه سيد قادري وانتهاك حرمته بعد قتله و الاضطرابات المتعددة في الاقاليم الإيرانية الأخرى إلا خير دليل عما نقول، ورغم أن الانتفاضة جاءت بعد تسريب تلك الوثيقة الى وسائل الاعلام الا ان سياسة الاضطهاد القومي من جهة ومحاولة الشعب العربي التخلص من هذه السياسة من جهة أخرى كانت الدافع الاساسي لها لا بل عود الثقاب الذي فجر برميل البارود.
أن السلطات الإيرانية وكعادتها وبدل من تحمل مسؤوليتها إزاء ما يجري وما لحق بشعبنا من ظلم واضطهاد، أخذت تضع اللوم والمسؤولية عما يجري في الساحة الاهوازية على العامل الخارجي حيث اتهمت الحكومة البريطانية بتفجير الانتفاضة و ادعت أن القوات البريطانية المشاركة في احتلال العراق والمتواجدة في البصرة هي التي تقف وراء الاضطرابات في الاهواز، كما تفننت في توجيه مثل هذه الاتهامات، كاتهامنا بالإرهاب وبارتباطنا بالحركة الوهابية حيث رصدت السلطات الإيرانية الميزانيات الضخمة لمكافحة ما أسمته بالفكر الوهابي مستغلة التوجهات المناصرة لمكافحة التطرف الاسلامي وعملت لترويج أيدولوجيتها الشيعية الآرية وحاولت ان تظهر لعوام الشعب انه ليس هناك مطالب واضطهاد قومي بل هنالك مؤامرة اجنبية تهدف تغيير المذهب السائد في الاهواز ومع الأسف الشديد فأنها في هذا المجال استعانت ببعض الأذناب العربية في حين كل من بريطانيا والقوى الوطنية والقومية الاهوازية قد رفضا هذه الاتهامات جملة وتفصيلا.
إذن ما السبب الرئيسي للقيام بمثل هذه المظاهرات ؟ و ما هي العوامل الرئيسية وراء اندلاعها؟ وفي الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها يمكن القول إن ما حدث ما هو إلا نتيجة لتراكمات كمية تحولت وبفعل سياسة الاضطهاد القومي الإيراني المستمر بحق شعبنا إلى تراكمات كيفية تجلت بشكل مظاهرات سلمية شملت ولأول مرة شرائح واسعة من أبناء شعبنا العربي الأهوازي، وإذا أردنا البحث في المسببات التاريخية لهذه الانتفاضة وتقيم نتائجها لابد لنا من إلقاء نظرة ولو سريعة على الخلفيات التاريخية الناتجة عن سياسة الاضطهاد القومي والاجتماعي التي مارستها الأنظمة المتعقبة على الحكم في إيران طيلة 80 عاما.
في الحقيقة استندت في تحليلي هذا على بعض الدراسات و المقالات التي أرسلها لي بعض الإخوة المناضلين الاهوازيين في داخل الوطن والتي تتناول بالدقة والتفصيل ومن خلال لغة الأرقام أسباب اندلاع هذه الانتفاضة وبالتالي فأنني مديون لهم في إلقاء هذه المحاضرة ولضرورة السرية فإنني اعتذر عن ذكر أسماءهم الا انني باسمكم جميعا أتقدم لهم بخالص التحية والاحترام واحيي صمودهم واشكر جهودهم وأتمنى لهم كل النجاح والتوفيق في سبيل خدمة قضية شعبهم المضطهد ولكي نكون دقيقين في استنباط الأسباب الكامنة وراء اندلاع هذه الانتفاضة نرى أنفسنا مجبرين على إلقاء نظرة على الواقع الاجتماعي والاقتصادي الذي كان سائدا في الإقليم قبل وبعد سقوط نظام الشاه وتوجهات النظام التنموية آنذاك حيث كان موضوع التنمية في بلادنا يسير في ثلاث محاور رئيسية وهذه المحاور هي:
1 – محور المنطقة الشمالية، وقد خصصها النظام لتوليد الإنتاج الزراعي وذلك لوفرة المياه، سوءا مياه الانهار او المياه الجوفية، وقد تأسست لتحقيق هذا الغرض شركات رأسمالية متعددة الجنسية بالتعاون مع القطاع الحكومي الإيراني وفي هذا المجال تأتي الشركات الزراعية الأمريكية على راس هذه الشركات. وقد تطرقت سابقا و بالتفصيل الى هذه الشركات والى المساحات التي في حوزتها لذلك اكتفي هنا بذكر بعض منها مثل شركة كاليفورنيا، شركة كارون للصناعة والزراعة، شركة بارس لصناعة الورق في منطقة التلال السبعة او ما تسمى به هفت تبه وشركة زراعة القصب السكري في نفس المنطقة.
2 – محور المنطقة الوسطى: وقد خصصه النظام آنذاك للتنمية الصناعية وقد تأسست في هذا المجال شركات عملاقة مثل شركة فولاذ” خوزستان” مجموعة فولاذ الوطنية شركة نورد و صناعة الأنابيب ، فأرميت الأهواز وصناعة انابيب خوزستان ، وكذلك توظيف الرساميل في القطاع المرتبط بالنفط والغاز.
3- محور المنطقة الجنوبية: وقد خصص للتنمية التجارية وتعد مواني مثل المحمرة وعبدان ومعشور وكذلك مؤسسة البتروكيمياويات في ميناء خور عبد الله من اهم المراكز للتصدير والاستيراد.
تقسيم الإقليم الى ثلاث محاور اقتصادية وتحويله فيما بعد الى شريان اقتصادي هام في خدمة الاقتصاد الإيراني جعله يتمتع بمكانة خاصة لا تضاهيها أي من المناطق الإيرانية الأخرى، وقد تبدو هذه التنمية من النظرة الاولى على انها تنمية حديثة قائمة على اسس علمية، الا انها في الحقيقة تفتقد لأبسط الاسس التنموية ونعني به التنمية الانسانية وقد ادت هذه الحالة بمفردها ومع انتصار الثورة وتضعيف الدولة المركزية الى عامل للفشل الذريع لنظرية التنمية الاقتصادية الحكومية.
لقد كان مشروع تنمية الإقليم في عهد النظام البهلوي المقبور مقارنة مع ما نشاهده اليوم يحتوي على أمور إيجابية ومفيدة، الا ان هذه التنمية شهدت في العمل والتكتيك التنفيذي وبسبب احتكار الدولة للاستثمار شهدت نوعا من التناقض على المستويين الاستراتيجي والتكتيكي.
ولا ننسى ان تصاعد ارتفاع أسعار النفط وخاصة بعد حرب أكتوبر تشرين الثاني من عام 1973 و الذي مكن النظام من الحصول على ارباح خيالية نتيجة عائدات البترول هي التي مكنت النظام من القيام بمشاريع اقتصادية ضخمة من بينها المشاريع المنوه لها سابقا وعلى اثر هذه التنمية شهدت مدن مثل عبدان والأهواز والمحمرة ومسجد سليمان وغيرها من المدن الاهوازية وبسبب تشجيع هجرة الفئات المتعلمة والقوة العاملة الماهرة ونصف الماهرة وكذلك وجود الشركات المتعددة الجنسية في مختلف المشاريع حدثت تطورات متسارعة غيرت طبيعة هذه المدن من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية، وفي نفس الوقت فان عدم التناسب في التنمية بين بعض المدن الاهوازية بنسيجها القبلي والعشائري من جهة والمدن الصناعية والتجارية من جهة اخرى أدى الى اتساع الهوة الطبقية بين الفئات الاجتماعية بسرعة مذهلة حيث توسع الشرخ بين قطبي الغنى والفقر، وكان الفقر حليف الغالبية العظمى من ابناء الشعب العربي الاهوازي، فهاجر العديد من ابناء الريف الى المدن بسبب الكوارث التي حلت بالريف والمدن الصغيرة نتيجة لهذه السياسة ، استوطنوا في هوامش المدن ساكنين في بيوت لا تفيهم لا من حر الصيف ولا من برد الشتاء، وهم ينظرون بحسرة وألم الى ما حولهم من مدن صناعية وتجارية حديثة وأحياء راقية يسكنها الفرس والأجانب، الا ان هؤلاء المواطنين العرب رغم كل حالات التمييز والاضطهاد القومي استطاعوا ان يجدوا لهم موطئ قدم، وان يتمكنوا من الحصول على قوتهم اليومي في بلادهم و من الحصول على فرصة عمل بسبب الوضع الاقتصادي والتجاري الذي كان ينعم به الإقليم آنذاك، ومما يؤيد هذا الادعاء ان منطقة الأهواز كانت في عهد النظام المقبور أي قبيل انتصار الثورة من حيث التنمية تحتل المرتبة الثانية بعد طهران.
وبعد انتصار الثورة في إيران حدث امرين مهمين عرقلا مسيرة تلك التنمية الصاعدة:
الامر الاول: هروب الرساميل الأجنبية ممثلة في مشاريع الشركات الزراعية العملاقة من البلاد واستيلاء النظام الجديد على هذه المشاريع، حيث تمت أدارتها تحت اسماء وعناوين جديدة مثل شركة الشهيد بهشتي وشركة الشهيد رجائي وشركة صناعة وزراعة كارون، كما ان النظام الجديد اعتمد في إدارة هذه المشاريع على الخبرات المحلية، الا ان التجارب اللاحقة أثبتت ان هذا العمل ادى الى انخفاض مستوى الإنتاج في هذه المشاريع العظيمة ورداءة المنتج الى حد كبير قياسا بما قبل انتصار الثورة ولعل مرد ذلك يعود الى ان الأساليب الزراعية التي استخدمت فيما بعد كانت نصف ممكنة وغالبا ما تم الاعتماد على العمال البسطاء غير المهرة وان الغالبية العظمى من هؤلاء العمال هم من ساكني مدن المناطق الشمالية مثل الشوش وهفت تبة ودسبول وشوشتر حيث يشكل العمال العرب الغالبية العظمى من العاملين في هذه المشاريع.
ومع انخفاض مستوى الانتاج وتدني مستوى نشاط هذه الشركات تم تسريح اعداد كبيرة من هؤلاء العمال من أعمالهم، واخذوا يعملون في أعمال بسيطة كباعي أرصفة و جوالين، وعلى كل الأحوال ضلت مدينتي شوشتر ودزفول ذات الأغلبية غير العربية افضل نسبيا من ساير المناطق العربية الأخرى، ويمكن القول ان الغالبية العظمى من الأطباء والمهندسين والمتخصصين هم من ابناء هذين المدينتين إضافة الى ذلك فان الغالبية العظمى من المسئولين في الجهاز التنفيذي بعد انتصار الثورة هم من النخب الشوشترية والدسابلة حيث كان يحتكر هؤلاء في العقد الاول من الثورة ما يقارب 80% من المهام في الجهاز التنفيذي والعسكري والاقتصادي وهذا يعني ان عدد هؤلاء الذي يشكل 10 % من سكان البلاد قد احتفظ بما يقارب 80% من الوظائف الحكومية.
وضمن هذا السياق نظر النظام الجديد الى ابناء الشعب العربي على انهم أناس خارجون على القانون و الغالبية العظمى منهم تتآمر على الثورة الإسلامية وذلك من خلال طرح مطالب قومية تعتقد الحكومة الإيرانية الجديدة انها اذا تساهلت أمامها سوف تستفحل هذه الظاهرة وتتجاوز حدودها حدود إقليم الأهواز لتنتقل الى المناطق القومية الأخرى من إيران لذلك اتسمت سياستها بعناوين رئيسين هما انتهاج سياسة القمع وإبعاد العرب عن ألاماكن الحساسة في الجهاز الإداري والاهتمام بالمناطق ذات الكثافة السكانية غير العربية على حساب العرب وهذا ما يفسر لنا ازدواجية السلطة الجديدة في تعاملها مع المناطق الشمالية والجنوبية، ففي الوقت الذي منحت القسم الاعظم من اسهم الشركات الزراعية الحكومية الى سكان المناطق الشمالية من اللور والشوشترية والدسابلة ومكنتهم من الاستفادة من قنوات الري التي أنشأت بأموال 100% حكومية، فإنها في المقابل إضافة الى حرمان العرب من الاستفادة والتمتع بالإمكانيات الحكومية عمدت الى تخريب قنوات الري التي أنشأت بأموال المواطنين العرب، كما تم الاستيلاء ومصادرة قسم كبير من أراضي المواطنين العرب من قبل النظام الجديد تحت عناوين مختلفة، فعلى سبيل المثال تم إيقاف العمل بقنوات النظامية ومن ثم تم تخريبها نهائيا، ومن ناقلة القول ان هذه القنوات أنشأت بأموال العرب و لو استمر العمل بها فان بإمكانها أرواء عشرات الآلاف من الهكتارات من الأراضي الواقعة في الشمال الغربي للإقليم.
ومما يثير العجب في الوقت الذي يتوقف فيه العمل في هذه القنوات واقصد بها قنوات النظامية والتي استحدثت من أموال المواطنين العرب نشاهد ونتيجة نفوذ الشوشترية والدسابلة في الجهاز السياسي والتنفيذي على مستوى الإقليم فان المشاريع الزراعية الحكومية الكبرى وقنوات الري تعطى لسكان تلك المناطق.
ولم تتوقف السياسة الى هذا الحد وإنما نشاهد هجوم الرأسمال الإيراني ممثلا بالشوشترية والدسابلة والبهبهانية والاصفهانية وغيرهم للاستثمار المجالات الزراعية، لعدم توفر الرأسمال العربي حيث يوفر المستثمر غير العربي المضخات والبذور وتصريف المنتج وتخزينه واستنادا الى بعض الإحصائيات كان فيما مضى ما يقارب اكثر من 3500 مضخة ومكينة ماء منصوبة على ضفاف كارون والكرخة والجراحي تعود ملكيتها الى غير العرب وفي المقابل يوفر المواطن العربي الارض وهذه العملية مستمرة منذ مدة طويلة وقد نتجت عنها كوارث وخيمة نتيجة لمحاولة المستثمر غيرالعربي والاستيلاء على أراضي المواطنين العرب.
وباختصار شديد فان نصيب المواطن العربي الاهوازي من هذه المشاريع الاقتصادية التنموية سواء في عهد النظام السابق او النظام الجديد وفي افضل الظروف هو العمالة بأجور يومية لا اكثر ولا اقل. كما ان تلك المشاريع تفتقد لاي مجالات تنموية في جانبها الانساني.
ان هذه المشاريع في الحقيقة تهدف الى تغيير البنية السكانية للمواطن العربي لا اكثر ولا غير فهي بالتالي مشاريع ذات طابع سياسي وليس اقتصادي لان الغالبية العظمى من المتخصصين والفنيين في هذا المجال يؤكدون على فقدان جدواها من الناحية الاقتصادية لانها رغم المبالغ الكبيرة المرصودة لها سوف تؤدي الى الفشل سواء في جانبها الاجتماعي والاقتصادي وهذا ما شاهدناه بعد سقوط النظام السابق ولعل اكبر مثال نسوقه في هذا المجال فشل مشاريع الشاه السابق الرامية الى زرع وطننا في المستوطنات، مثل مستوطنة يزدنو في ضواحي أراضي منطقة الحويزة وفي الأراضي التابعة الى قبيلة بني سالة التي تركها الوافدون بعد سقوط نظام الشاه السابق مباشرة.
لقد عمد النظام السابق ولظروف وصفها بالحفاظ على الأمن الى منح أجود الأراضي الزراعية العربية الى المقربين منه من عملاء وساواكيين وقادة جيش وعلى سبيل المثال ممكن ان نذكر مجيد خان الذي حصل على قسم من الأراضي الواقعة في شمال مدينة الأهواز و العقيد اذري الذي ملك قسم من الأراضي التي تقع بين الحد الفاصل بين الأهواز ومله ثاني والعقيد محمودي ابن خالة الشاه والعقيد أشرافي وغيرهم.
ان الحكومة الإيرانية انتهجت نفس النهج السابق بدلا من تلقي درسا من اداء النظام السابق فتخلت عن دعم ابناء شعبنا واستأنفت سياسة التهجير والاستيلاء على الارض واننا على ثقة تامة بان هذه المشاريع سوف لن يكون مصيرها افضل من مثيلاتها السابقة وانها ستفشل في نهاية المطاف بشكل فادح مثل ما هو الحال بالنسبة للمشاريع السابقة وها هي انتفاضة شعبنا تقلب الطاولة على رؤوس اصحابها وان المستقبل يخبئ لهؤلاء الساسة الجدد العنصريين الكثير من المفاجئات.
الامر الثاني إحياء السياسات السابقة والحرب العراقية الإيرانية:
لقد استبشرت جماهير شعبنا خيرا بإسقاط نظام الشاه ظنا منها بان النظام الجديد سيكون مغايرا للنظام السابق من حيث الشكل والمضمون وهذا ما يفسر لنا انخراط جماهير شعبنا في اللعبة السياسية والمشاركة الفعالة في أنجاح الثورة والإطاحة بالنظام السابق وان خلفيات مثل هذه الامور معروفة لدى الإخوة المستمعين، ولكن أود ان أشير الى ان ابناء شعبنا قد طرحوا مطالبهم بشكل لا يتناسب والأوضاع السائدة آنذاك وهي تشكل الحد الأدنى من المطالب وقد رأينا كيف ان الحكومة ممثلة بقيادتها الدينية والسياسية ادارت ضهرها لهذه المطالب وكيف ساندت الجنرال الادميرال البحري المقبور احمد مدني في ضرب شعبنا ومصادرة حقوقه المشروعة.
ولم تمر سوى عدة اشهر على انتصارا لثورة حتى نشبت الحرب العراقية الايرانية في منطقتنا وقد ادت الى تهجير المواطنين العرب وهو الحلم الذي كان قد راود نظام الشاه السابق لتهجير المواطنين من المناطق الحدودية، فلا غرابة اذا رأينا الخميني يعتبر هذه الحرب رحمة وهي فعلا بالنسبة له رحمة لسببين، السبب الاول تكثيف التواجد العسكري في منطقة تغير الشريان الحياتي بالنسبة لإيران ثانيا كبح الروح الثورية المتنامية لدى العرب والقضاء على خصومه الداخليين لذلك كانت السني العجاف لهذه الحرب من أصعب السنوات التي مربها ابناء شعبنا، وبعد جميع حالات الجذر والمد السياسي التي مرت بها ايران ومنطقتنا انتهت هذه بعد ما خلفت وراءها المزيد من الخراب والدمار المتمثل بتدمير البنية التحية الاقتصادية في الاهواز ولعل من بين نتائجها وكما أسلفنا سابقا تهجير القاطنين في القرى والأرياف الذين يشكل العرب 100% من سكانها وتوجهم الى المدن الاهوازية الأخرى و بالأخص مدينة الأهواز حيث نشأت فيما بعد ظروف جديدة وحالة لم تكن موجودة في هذه المدينة من قبل.
هنا لابد من الإشارة الى تركيب الجمعية السكانية للمدن الاهوازية ونسبة العرب في كل مدينة لنبين للسامع والقارئ معا ان المتضررين من هذه الحرب هم العرب دون سواهم وهذه التركيبة على النحو التالي:
مدينة الأهواز75% عرب 25% غير عرب، مدينة دسبول 50% دسابلة 25% عرب الباقي من مختلف القوميات، شوشتر 50% شوشترية، 15% بختيارية، 35% عرب الخفاجية 100% عرب الفلاحية 100% عرب عبادان 70% عرب 30% غير عرب من مختلف القوميات المحمرة 80% عرب، 20 غير عرب، رامز 57% بختيارية 25% عرب، معشور 50% عرب، 50% غير عرب، مسجد سليمان 65% بختيارية، 35% عرب كمري ( في ناحيتي عنبل ولالي )، انديمشك – الصالحية 70% بختيارية و20% دسابلة و5% عرب، الشوش 80% عرب، 20% غير عرب الحويزة 100% عرب البستين 100% عرب الفكه 100% عرب موسيان 100% عرب.
وبعد انتهاء الحرب وبدء ما يسمى بإعادة الأعمار سببت حالة اللاحرب و اللاسلم والتواجد المكثف للجيش وقوات الحرس والبسيج في المناطق الحدودية عدم تمكن المواطنين المهجرين من العودة الى قراهم ومدنهم لمواصلة حياتهم العادية التي كانت سائدة قبل اندلاع هذه الحرب المجنونة وقد استمرت هذه الحالة اكثر من 14 عاما كما ان البعض منه مستمر الى يومنا هذا وذلك بسبب تواجد الجيش الذي يمنع المواطنين من العودة، وكذلك تقاعس الحكومة في تطهير القرى والأرياف من الألغام ومخلفات الحرب.
لقد كانت سياسات الحكومات المتعاقبة على السلطة في عهد الجمهورية الاسلامية في الحقيقة امتداد لسياسة النظام الشاهنشاهي، فقد ظل الهاجس الأمني وعقدة انفصال المنطقة الشغل الشاغل لهؤلاء الحكام فكانت سياستها تنصب في حرمان المواطن الاهوازي من ابسط ظروف الحياة بغية تهجيره وتغير واقعه السكاني وفي هذا المجال تبنت السياسات التي كانت قائمة في عهد الشاه وتابعت مشاريعه الزراعية وهي مشاريع لا تأخذ بعين الاعتبار الجدوى الاقتصادية وإنما تهتم دائما وأبدا بالهاجس الأمني وخاصة بعد ما اصبحت المدن العربية الاهوازية وبعد نزوح الموطنين من الريف الى المدن ذات الكثافة العربية، وكان هدف السلطات تغير هذه الحالة عبر انشاء مثل هذه المشاريع وجلب المزيد من المهاجرين والوافدين الفرس وغيرهم وإسكانهم في الإقليم لإعادة التوازن السكاني لصالح الفرس، ولهذا الغرض شرعت الحكومة بتوسيع مشاريع قصب السكر فاستولت على 135 إلف هكتار من أجود الأراضي الزراعية العربية، رغم تحذير المتخصصين والفنيين من عدم جدوى هذه المشاريع اقتصاديا فعلى سبيل المثال يرى الفنيون ان إصلاح 84 ألف هكتار من الأراضي يتسبب في فقدان ضعفي هذه الأراضي بسبب مياه التصريف والبذل كما ان هناك اكثر من 200 قرية عربية صغيرة وكبيرة على ضفتي نهر كارون وبطول 450 كيلومتر بدء من شوشتر وحتى مدينة عبادان تواجه الخطر الجدي هذا بالإضافة الى الفيضانات المتكررة التي تغمر كل عام أراضي هؤلاء المواطنين مخلفة ورائها مليارات الريالات من الخسائر ولا نغالي اذا قلنا ان قسما من القرى قد سوى مع الارض تماما.
ان هذه المشاريع بالإضافة الى ما ورد فقد اوجدت معضلات لا تعد ولا تحصى منها تدمير المحيط البيئي ولعل ابرز مثال على ذلك ارتفاع نسبة ملوحة المياه الامر الذي أثار احتجاج أهالي المحمرة وعبادان الذين خرجوا في مظاهرات عام 79 ايراني 2000 م قتل اثناءها 3 أشخاص وبرواية اخرى 8 وجرح العشرات الآخرين فضلا عن تخريب المحيط البيئي لنهر كارون والحاق الأضرار الفادحة بهور الفلاحية وتدمير عشرات الآلاف من الهكتارات في الأراضي الواقعة غرب طريق مدينة المحمرة.
ان المسائل الاجتماعية والسياسية الناتجة عن هذا المشروع والمشاريع المشابهة مثل مشروع تربية الاسماك في عبادان بمساحة 25 الف هكتار، مشروع ابطال الحرب ( المضحين ) في الجفير 47 الف هكتار مشروع المقاتلين ( رزمندكان ) 6 آلاف هكتار في الشوش مشروع شيرين شهر ومدينة رامين لاستيعاب 50 الف نسمة لكل منهما و مشروع منطقة التجارة الحرة في المحمرة وعبادان تقدر بعشرات الآلاف من الهكتارات كما ان هناك ما يقارب اكثر من 10 آلاف هكتار في منطقة عبد الخان سلمت الى الجيش تحت عنوان شركة الجنوب المساهمة كما ان هناك الألاف من الهكتارات وزعت هنا وهناك وقد تطرقت اليها في مقالات ومحاضرات سابقة و عشرات المشاريع الأخرى تدعي الى الكثير من التأمل و التساؤل .
وهناك مسألة هامة لابد من الإشارة اليها وهي ان الغالبية العظمى من ابناء شعبنا يقطنون في الريف ويقتاتون مما تجود به عليهم الارض أي انهم يعملون في زراعة الارض وكان النظام الملكي السابق ما عدا قسم قليل منهم يحرمهم من استملاك هذه الأراضي عبر وثائق قانونية، مما يجعل أراضيهم عرضة للمصادرة دون مقابل، وقد استمر هذا الوضع في عهد الجمهورية الاسلامية، وعلى هذا الأساس تمت مصادرة اراضي العرب في منطقة الشوش وچنانة وما يعادلها لصالح المعسكرات بحجة الحرب و قسم اخر من الأراضي تمت مصادرتها في مجال اكتشاف حقول البترول وقسم اخر اصبحت اراضي محمية لأجراء المناورات عليها من قبل فرقة 92 المدرعة التابعة للجيش.
كما ان إيجاد مدينة البتروكيمياويات ونسيجها بحائط يصل ارتفاعه الى 4 أمتار في قلب منطقة الكورة وتجهيزها بأحدث الوسائل مثل النوادي والسينما وساحة كرة القدم وملاعب الجلف والمسابح نموذج لسياسة التمييز العنصري والدليل ان سكان هذه المنطقة والذي يبلغ سكانها ما يقارب 40 الف نسمة يفتقدون لأبسط المقومات الأولية الرفاهية، لذلك نرى ان هذه المدينة كانت من اهم المدن التي شارك أهلها بقوة واندفاع في هذه الانتفاضة المباركة.
وفي مكان اخر ونتيجة لنفوذ العناصر المعادية للعرب في الجهاز الحكومي المحلي تمت مصادرة الأراضي وواحات جبل مشداخ الأشم والواقعة في غرب نهر الكرخة وتحديدا بالقرب من قرية خسرج اللطيف لصالح ما يسمى بأبطال الحرب ( المضحين )، اما الدليل الذي استند اليه أصحاب هذا الاقتراح هو ان هذه الأرضي حررت من احتلال البعثيين الكفار على يد هؤلاء الأبطال على حد تعبيرهم فكأنها لم تكن تعود الى عرب الاهواز قبل استيلاء القوات العراقية عليها ومما يثير الدهشة والعجب ان الزرادشتين والملكيين من حقهم ان يقوموا الدعوى لاستعادة 42 هكتارا من ارض يدعون ملكيتها في قلب مدينة الأهواز تقدر قيمتها بمليون تومان لكل متر منها في حين لا يحق للعرب اللجوء للمحاكم للادعاء على من اغتصب أرضهم.
وهنا لا يفوتنا ان ننوه بان النظام السابق وكما تعلمون قد اقدم على ايجاد مستعمرة يزدنو الا ان هذه المستعمرة دمرت عن بكرة ابيها بعد سقوط نظام الشاه، فبدلا من ان تتعض الحكومة بهذه التجربة الفاشلة تنوي حاليا بناء مستعمرة جديدة تسمى برامين على مساحة تقدر به 40 الف هكتار الى جانب مدينة مله ثاني وقد بنيت هذه المستعمرة على أراضي عربية صالحة للزراعة على مدارا لعام.
على صعيد اخر بدلا من ان تهتم الحكومة بتطوير مدن مثل الفلاحية و عبادان والمحمرة و دارخوين قامت بإقامة مستعمرة جديدة أسمتها شيرين شهر وخصصت لتشييدها ميزانيات خيالية.
ولم تكتف الحكومة بذلك بل قامت بجلب عشرات الآلاف من العوائل الرعوية من اللر والبختيارية وخلال العقود الماضية وأسكنتهم في المناطق بالقرب من شوشتر ودسبول وفي اراض ترجع ملكيتها تاريخيا الى المواطنين العرب وهذا العمل لم يستفز العرب وحدهم فحسب وانما استفز الدسابلة والشوشترية ايضا. وخلاصة القول ان الامور المنوه اليها تندرج في اطار سياسة التطهير العرقي التي تستهدف تغيير البنية السكانية وذلك عبر سياسات مبرمجة لعل ابرز مظاهرها تلك الوثيقة الصادرة عن مكتب الرئيس الايراني السابق والتي كانت الشرارة التي فجرت تلك الانتفاضة المباركة هذه الانتفاضة يمكن القول إنها حققت عدة انجازات منها:
– الوحدة الوطنية، حيث شاركت قطاعات واسعة من جماهير شعبنا بكافة قواها الوطنية والقومية في هذه المظاهرات. –
– الشمولية، حيث شاركت جميع المدن الاهوازية في هذه المظاهرات.
– تأثير الفعل السياسي داخل إيران، حيث هزت أركان النظام وأوجدت في داخله شرخا إزاء تعامله مع هذه الانتفاضة كما هزت صورته الأخلاقية والعقائدية أمام الرأي العام العربي والإسلامي.
– أوصلت صوت شعبنا العربي الاهوازي إلى العالم لا سيما إلى دوائر القرار العالمي والى هيئة الأمم المتحدة والهيئات المنبثقة عنها.
•الاستمرارية حيث انها استمرت وها هي تدخل عامها الثاني.
•تنوع أساليبها النضالية:
إن المتتبع لسياسة الأنظمة المتعاقبة على دفة الحكم في إيران وخاصة في عهد الجمهورية الإسلامية يدرك جيدا كيف إن هذه الحكومة ورغم كونها وحسب ما تدعي أنها حكومة إسلامية إلا أنها تعاملت مع قضية القوميات وخاصة قضية الشعب العربي الأهوازي في منتهى القسوة والتشدد ويأتي هذا التعامل السيء واستخدام العنف لعدة أسباب قد بيناها في مقالات ودراسات سابقة منها الثروة النفطية الموجودة في هذا الإقليم، الموقع الجيوبولتيكي والاستراتيجي، مجاورة الإقليم لمناطق عربية ساخنة، ومطالبة أهالي الإقليم المستمرة في تقرير مصيرهم بأنفسهم بعيدا عن تدخل الحكومة المركزية الفضة في شؤون هذا الإقليم.
لقد أصبح النفط بالنسبة للحكام الإيرانيين نعمة ولكن بالنسبة للشعب العربي الاهوازي نغمة، حيث لم تخصص الحكومة الإيرانية أي مبلغ من هذا الكم الهائل من البترول المنتج داخل أراضيه أي مبلغ يذكر وعندما حاول مجلس الوزراء الإيراني استباق زيارة مبعوث هيئة الأمم المتحدة إلى الإقليم ليطرح هذا العام تخصيص 1.5% من النفط لصالح أبناء الأهواز رفض مجلس الشورى الإسلامي هذا المقترح ولم يحاول حتى عرضه للمناقشة، وبالتالي لا نجد عجبا حينما قال الموفد الخاص للامين العام لهيئة الأمم المتحدة لقد أصبت في الصدمة وأنا أشاهد الأوضاع الاجتماعية والصحية والسكانية المتردية في هذا الإقليم.
لقد استشهد في اليومين الأول والثاني من هذه الانتفاضة وحسب اعترافات صحافة الحكومة الإيرانية أكثر من 60 مواطنا وجرح أكثر من 270 مواطن أخر، بالإضافة إلى اعتقال أكثر من 1000 مواطن بما فيهم نساء واطفال وشيوخ ، وأعلنت في كافة المناطق الاهوازية حالة الطوارئ وقيام حكم عسكري بقي مستمرا حتى الوقت الراهن، كما أن حملات الاعتقالات والمداهمات بحق المواطنين العرب مستمرة مما جعل عدد المعتقلين والمفقودين في تصاعد مستمر.
انتهى
*محاضرة القيت عبر غرفة الاهواز حوار المجتمع المدني الاهوازي بتاريخ
2006 / 5 / 6