منذ إعادة انتخابه التي أثارت الاضطرابات في عام 2009، أصبح إصلاح الاقتصاد الهدف الرئيسي للرئيس أحمدي نجاد وحكومته. فقد قام، على الرغم من انتشار الاحتجاجات، برفع الدعم في محاولة لترشيد الاقتصاد وحرمان معارضيه من الطبقة الوسطى من امتيازاتهم، مع الوعد بتقديم دعم يستهدف بصورة أكبر الطبقات الدنيا التي تؤيد حكومته.
بطريقة ما، يجدر تقديم الشكر للمجتمع الدولي على فرضه عقوبات على إيران، حيث يبدو أن العقوبات تسببت في “براغماتية جديدة في التحرر الاقتصادي” بحشد التأييد لـ”إصلاحات اقتصادية لم يكن من الممكن تحقيقها” في السابق. لذلك بعد فرض سلسلة جديدة من العقوبات منذ عام 2010، بدأ أحمدي نجاد الآن في تحويل انتباهه إلى نظام الضرائب الإيراني، ففي حديثه أمام مؤتمر عن الإصلاحات الضريبية في 3 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، زعم نجاد أن تسديد الضرائب ليس “إجباريا” ولكنه أهم صور “المشاركة في السياسة”.
الإخوان المهربون
وكانت عائدات تصدير النفط سببا لرفض الحكومة جمع الضرائب، ناهيك عن إصلاح النظام. ولكن مع رحيل مزيد من شركات النفط، ورفض عدد من الدول شراء النفط الإيراني، تجد إيران نفسها الآن في حاجة ملحة إلى مصادر جديدة للدخل، ويبدو أن الحكومة تعتزم فرض إصلاحات ضريبية شاقة من أجل توفير مزيد من النقد.
الحرس الثوري أكبر “مهرّب” ويكلف اقتصاد ايران 20 مليار دولار من عائدات الضرائب سنويا [2]
الحرس الثوري أكبر “مهرّب” ويكلف اقتصاد ايران 20 مليار دولار من عائدات الضرائب سنويا
ومنذ مدة ليست ببعيدة، تحدث نجاد في خطابه حول العقبات الرئيسية التي تواجه الإصلاح الضريبي في إيران، وألقى باللوم صراحة على الحرس الثوري واصفا إياهم بـ”إخواننا المهربين”.
وبغض النظر عن نوايا الحكومة وأسباب هذه المبادرة الجديدة نسبيا، لن تكون عملية إصلاح النظام الضريبي مباشرة على الرغم من أنها تأخرت لفترة طويلة.
بالإضافة إلى إعفاء 41 في المائة من الإيرانيين من دفع الضرائب بموجب القانون، هناك عدد كبير من مسؤولي النظام، وليس فقط الحرس الثوري، الذين لديهم مصلحة في بقاء النظام الحالي من دون تغيير حتى يتمكنوا من الاستمرار في ممارسة أنشطتهم الاقتصادية غير المشروعة.
وكما توضح الاحتجاجات المنتشرة ضد الضرائب في أسواق المنسوجات والذهب في طهران، ما زال أمام الحكومة طريق طويل من أجل إقناع أصحاب الأعمال بسداد الضرائب للخزينة العامة. علاوة على ذلك يجب على أحمدي نجاد وفريقه أن يجدوا وسيلة لطمأنة الشعب بأن أموال الضرائب ستنفق على برامج تحسن بصورة مباشرة من مستوى معيشتهم اليومي. ولكن في ظل الفضيحة المالية الأخيرة بالإضافة إلى النظرة السائدة عن فساد الحكومة، تضعف فرص الحكومة في إقناع الشعب.
الخمس للمرجعيات
والأهم من ذلك هو الدور الذي يلعبه العامل الثقافي لدرجة أنها ليست مبالغة أن نقول إن التهرب الضريبي في إيران، مثل اليونان، رياضة وطنية.
ولكن الاختلاف الوحيد مع اليونان هو أن الغالبية العظمى من الإيرانيين يجدون تشجيعا من طبقة رجال الدين على تجنب دفع الضرائب لأن مثل ذلك الواجب “حرام”.
وعلى نقيض من نظرائهم في مذهب أهل السنة، يحصل رجال المرجعيات الشيعية على دخلهم مباشرة من الشعب الذي يدفعها لهم أو لممثليهم في صورة “الخمس”. ويوضح ذلك بدوره سبب تدخل الإسلام الشيعي ورجال الدين الشيعة في السياسة مقارنة برجال المذهب السني، حيث يعتمد رجال الدين من أهل السنة على الدولة في الحصول على الدخل. وعلى النقيض منهم يحصل رجال المرجعيات الشيعية على مواردهم الاقتصادية على نحو يجعلهم مستقلين عن الدولة ويُمّكنهم من عرقلة جهودها باستخدام أموالهم في توفير الرخاء الاجتماعي في مناطقهم.
وفي الواقع، يرجع النجاح المذهل الذي حققه آية الله الخميني وأتباعه في ضمان تأييد الشعب والتجار لثورتهم إلى حد كبير إلى استقلالهم الاقتصادي عن الشاه.
فقد كانوا يملكون الموارد المالية التي ساعدتهم على حشد الجماهير وتعويض من تخلوا عن وظائفهم من أجل تنظيم الاحتجاجات في الشوارع ونشر قضية الخميني. وفي الوقت ذاته، أيد التجار – الذين فضلوا نظام الخمس غير الرسمي على نظام الضرائب الخاضع لتنظيم الحكومة ويتطلب منهم تسجيل دخولهم ـ الخميني والثورة بسبب حسابات مالية، حيث يسددون ضرائب أقل ويحتفظون بنسبة أكبر من دخولهم السنوية، وليس بناء على إعجابهم الخالص بالآيديولوجية.
مأزق مربك
ومع دفع فريق أحمدي نجاد بأجندة إصلاح قانون الضرائب، أصبحت فئة رجال الدين في مأزق مربك، حيث يشكلون أكبر عقبة أمام تنفيذ الإصلاحات المقترحة.
ويدرك العديد من رجال الدين، الذين يعرفون جيدا حاجة البلاد الملحة لمصدر جديد للدخل، الحاجة إلى تشجيع تابعيهم على دفع الضرائب.
ولكن ربما يعني ذلك انخفاضا حادا في مصدر دخل آيات الله أنفسهم، حيث سيكون من الصعب أن يطلبوا من العامة تسديد كل من ضرائب الدولة والخمس، لا سيما في ظل هذه الفترة المتأزمة اقتصاديا. يتطلب تحقيق هذا الأمر أن يُقدم رجال الدين مصلحة النظام على مصالحهم. ولكن المأزق هنا هو عدم معرفتهم بالنوايا الحقيقية للرئيس، هل ما يفعله في مصلحة النظام بمحاولة وضع نظام ضريبي جديد، أم أنه ببساطة يحاول إضعاف رجال الدين بحرمانهم من مصدر دخلهم وبالتالي من استقلاليتهم عن الدولة.
نیما خورامی ، كاتب يعيش في بكين وباحث متخصص في السياسة وتحليل العوامل الجيو اقتصادية والتطورات الأمنية في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الباسيفكية. وقد أجرى أسل أيضا عددا من المشروعات للحكومة أو لبعض العملاء في الشرق الأوسط ونشر أيضا مقالات في «الغارديان» وفي «أوبين ديموقراسي»، و«ديفينس آي كيو».