– أن یؤثر إیجاباً في تحسین أحوال سائر القطاعات و الأصعدة المجتمعیة کتغییر النظرة أو العقلیة النمطیة السائدة تجاه مسألة التعلیم و دورها الریادي في تنظیم الحیاة الراهنة، .
أقصد بالعقلیة النمطیة الاعتقاد العام الخاطئ الذي یسیطر علی أذهان الکثیرین من ذوي المستویات العلمیة المتدنیه أو الأمیین، اذّ یتلخص هذا الاعتقاد السطحی في التقلیل من قیمة الدراسة و الدارسین و إعطاء الأولویة إلی أصحاب الوجاهة التقلیدیة و المکانة القبلیة أو الأثریاء و ذوي المناصب الحکومیة مما یترک إحباطاً أوتأثیراً سلبیاً علی نفسیات الطلاب الذین لا یلقون تشجیعاً أو استحساناً او ترحیباً من هؤلاء الأباء و الآولیاء ذوي النظرة السطحیة و الظاهریة للتعلیم.
علینا إذن تجاوز هؤلاء التقلیدیین المتقاعسین و المثبطین الذین عفی علیهم و علی أفکارهم و عقلیاتهم الزمن الحدیث لأنها لاتکاد تستند إلی عقل حصیف یفکر و یخطط لمعالجة مشاکل الواقع المتدهور أو یقترح حلولاً للوضع القائم.
بما أن هذه الکتابات المتسلسلة حول مسألة التعلیم لراقم هذه السطور نابعة من صمیم واقعنا الأهوازی المعاش و لا تحاول إسقاط واقع آخر مختلف علی الوضع الفعلي (القائم بالفعل او الموجود علی الأرض بحذافیره) و لا هي تحلّق في فضاءات أخری هي اُقرب للوهم و الخیال و إنّما هي محاولة- أقول محاولة- من مواطن مطلع عاش الواقع بکل تفاصیله، لمعالجة أو بحث مشکلات التعلیم من أفضل و أنسب أبوابه المتوائمة مع روح العصر، هو باب البحث و النقاش العلمي الهادئ المرتکز إلی أسس عقلانیة و واقعیة بواسطة الکتابة و الدراسة الهادفة للتوصل إلی صیغ أو حلول للخروج من أتون هذه الأزمه المستعصیة- إنّ جاز التعبیر- او المشکلة التعلیمیة بالأحری.
بناءاً علی هذا التأصیل الواقعي یمکن طرح التساؤلات التالیة لغرض الإجابة علیها قدر الإمکان دون مواربة او تحفّظ فلسناهنا بصدد جلد الذات أو إلقاء اللوم علی أطراف أخری دون مراجعة نقدیة و موضوعیة و تشخیص أو تحدید ما لنا من حقوق و ما علینا من واجبات بخصوص حلحلة مشاکل التعلیم في المجتمع الأهوازي.
… لماذا نشأت و تجذّرت ظاهرة التسرب من المدارس (ترک التحصیل العلمي) في أوساط التلامیذ العرب في مختلف المدن و المناطق ذات الأغلبیة السکانیة العربیة في المحافظة؟ ما هي الإنعکاسات و التداعیات الخطیرة المترتبة علی هذه الظاهرة السلبیة في المستقبل و التي تهدد کیان المجتمع بالإنحطاط العلمی و الإنهیار الحضاري؟ کیف سیکون مصیر هؤلاء التلامیذ المتسربین؟ هل سیقعون فریسة سهلة لبراثن الإنحراف و الجریمة؟ ما هي أسباب الرسوب (الفشل) الدراسی المنتشر بین أبناءنا في المرحلة الثانویة من التعلیم العام؟ و هو في الغالب منتشر بین البنین أکثر منه في صفوف البنات حسب ما نشاهد و نسمع من شریحة المعلمین و من ذوي الإطلاع و الخبرة في المجال التعلیمي. هل هناک ضعف أو قصور أو إهمال من الجهات التعلیمیة (دوائر التربیة و التعلیم المعنیة بالموضوع) حیال الفشل الحاصل في الدراسة لدی التلامیذ العرب بالتحدید؟ هل یوجد تمییز في توزیع المراکز التعلیمیة (المدارس بمراحلها الثلاث) بین المناطق العربیة و غیرها من المناطق؟ طبعاً الحدیث هنا عن الغالبیة من السکان لشتّی الأحیاء و الحارات و البلدات في الأهواز و المحافظة و هذه الغالبیة هي التي تطبع المناطق بطابع سکّاني خاص. هل تعاني المناطق العربیة من عدم أو قلّة وجود المدارس الحکومیة بشکل ملحوظ؟ لماذا لایشرف الأولیاء علی دراسة أولادهم و یراجعوا دروسهم و واجباتهم في البیوت؟ ما هي الموانع و المعوّقات التي تقف في طریقهم و تحول دون مواکبة مسیرتهم الدراسیة طوال العام الدراسي؟
هل تلک الموانع تتجسد في إنشغال الآباء في ظروف العمل أم أمور هامشیة أخری تستحق صرف الکثیر من الوقت و الاهتمام علی حساب أبناءهم التلامیذ؟ هل یمتلک الأب ثقافة الإشراف علی دراسة أولاده عن کثب و بنفس طویل؟ هل تحظی هذه المسألة من الأهمیة بمکان في برنامجه الیومي أو قاموسه الأبوي؟
لماذا لانمتلک کوادر أو کفاءات علمیة تسدّ النقص و الفراغ الرهیب الموجود في البنیة العلمیة لدی مجتمعنا؟ کم هو عدد الأطباء و المهندسین و المحامین و المعلمین العرب الأهوازیین مقارنة بسائر المکونات (الإثنیات / القومیات) المتعایشة في المحافظة؟ ما هي حصة المرأة من هذه الکوادر و الکفاء ات؟ کم هو عدد أساتذة الجامعات و المؤلفین و الصحفیین العرب؟ کم هو عدد الصحف أو المجلات التي یدیرها العرب؟ تلک الجرائد (سواءاً باللغة الفارسیة أم باللغة العربیة) التي تنشر لتنمیة الجوانب الثقافیة و العلمیة و الإجتماعیة للمجتمع الأهوازي، أو هل لها أساساً وجود خارجي؟
کل هذه التساؤلات و غیرها- التي تصبّ في خانة التعلیم و التثقیف- مشروعة و معقولة تبحث عن إجابات علمیة شافیة و موضوعة و هي ترفض في نفس الوقت – رفضاً باتّاً – الردود الدیبلوماسیة أو الوهمیة غیرالواقعیة لأنها لن تحل المشکلة في الحقیقة و طالما سمعنا مثل هذه الإجابات التخدیریة أو التسکینیة إذا جاز الوصف، فالمشکلة أعمق و أوسع من أن تحلها تلک العبارات او التصریحات المقترنة في معظم الأحیان بالّلف و الدوران أو التلاعب بالألفاظ و هذه الأمور مجتمعة لاتخفی علی المتتبع الواعي إذ لیست تغني أو تسمن من جوع. سأحاول الحدیث بشیء من التفصیل حول التساؤلات المطروحة لغرض شرح بعض الأسباب و النتائج الکارثیة المترتبة علی المشاکل التعلیمیة الآنفة الذکر. الذی یبدو لی أن ترک المدرسة في مرحلتي الإبتدائیة و المتوسطة، حیث لایزال التلمیذ طفلاً قاصراً غیر قادر علی اتخاذ مثل هذا القرار الصعب و المدّمر في ذات الوقت، مردّه إلی إهمال الوالدین و عدم بذلهما المجهود الکافي لرعایة إبنهم التلمیذ و تحفیزه و الإشراف المباشر علی مسیرته الدراسیة و توفیر الملزومات و المناخ الملائم لمواصلة دراسته بطریقة طبیعیة، قد یقول قائل أن الظروف المعیشیة عند أسرة التلمیذ هي التي قد تضطره إلی ترک مقاعد الدراسة، السؤال هنا في معرض رفض هذا التعلیل الضعیف، ما الذی یمکن أن یقوم به هذا الطفل الصغیر لیؤثر ایجاباً في دخل الأسرة او یدّر لهم الأرباح و یساعدهم في تأمین الإحتیاجات الضروریة؟ هل فکّرنا في التبعات و النتائج السلبیة الخطیرة المحدقة بظاهرة التسرب من المدارس؟ إذا کان الجیل الماضي قد أغفل خطورة تسرّب أبناءه من المدارس بسبب عدم تمتعه بمؤهلات علمیة تمکنه من الوقوف علی مخاطر هذه المسألة، فما بال جیلنا الراهن الذی یعی بعمق ماذا یعنی ترک الدراسة للاطفال!
فیما یتصل بافتقار المناطق العربیة إلی وجود مدارس ابتدائیة و متوسطة فحسب المعلومات المتوفرة لایوجد في هذا المجال نقص حاد یمنع التحاق الأطفال بها لممارسة حقهم في التعلیم العام، لکن تسجیل الأولاد في المدارس لوحده لایکفی للتعلم دون مشارکة الأولیاء في العملیة التعلیمیة و مواکبة المسار الدراسی للطفل عبر الإشراف المستمر و مراجعة دروسه و واجباته في البیت. علینا أن نقتطع من وقتنا سویعات من کل یوم لتدریس أبناءنا إذا أردنا لهم التوفیق و النجاح و مستقبلاً أفضل. فمما لاشک فیه أن الطفل المتعلم الذی یجید القراءة و الکتابة أفضل بکثیر من الطفل الأمي الذي لاحظّ له من التعلیم. إذن یجب الإستثمار في هذا الصعید الحیوي من الحیاة العصریة حتی نجنی الثمار یانعة في قادم الأیام.
الحقیقة أن الترکیز علی القضایا التعلیمیة في الأسرة تعتبر ثقافة عصریة عالیة تسلتزم الممارسة العملیة لتکریس مبادئها و ترسیخها في کیان الأسرة الأهوازیة. هناک مشکلة متجذرة في النظام التعلیمي الإیراني تجاه القومیات او الشعوب الإیرانیة غیرالفارسیة التی لاتشکل اللغة الفارسیة لغتها الأم بل تختلف عن اللغة و الثقافة الفارسیة إختلافاً جذریاً أو کبیراً، سأحاول دراسة المسألة اللغویة في النظام التعلیمي من زوایاها و جوانبها المختلفة في الأجزاء القادمة من هذا المقال المتسلسل.