ومن خلال ما نشرته أهم وكالتي أنباء في إيران بهذا الخصوص، يتضح التضارب في الرواية المنقولة بهذا الخصوص. ففي الوقت الذي قدمته وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية الرسمية “إيرنا” القريبة من الرئيس محمود أحمدي نجاد على أن الشخص الذي قام بهذه المهمة ما هو إلا جاسوس يعمل لصالح الاستخبارات الأمريكية، وصفته وكالة “فارس” للأنباء القريبة من الأجهزة الأمنية على أنه من عناصر الاستخبارات للحرس الثوري الإيراني.
وجاء الفيلم الوثائقي الذي بثه التلفزيون الإيراني منسجماً مع ما نشرته وكالة “فارس” للأنباء، حيث قدم “محمد رضا مدحي” نفسه في هذا الوثائقي كعنصر أمني توغل في تجمع كبار أحزاب المعارضة في الخارج بصفته ممثلاً لأكبر جماعة معارضة في الداخل تدعى “ياران”، مدعياً أن لها نفوذاً كبيراً في الحرس الثوري والأجهزة الحكومية الإيرانية.
وخلال حديثه في الفيلم الوثائقي تحدث عن ظهوره كتاجر ألماس في إندونيسيا ارتبط بالسفارة الأمريكية هناك، مدعياً الانتقال إلى أمريكا والاجتماع بوزيرة الخارجية الأمريكية، كما أشار إلى أنه التقى بعناصر المعارضة الإيرانية وأهم تنظيماتها وشخصياتها، من قبيل الموجة الخضراء والحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب كوملة الكردي وحزب التضامن الديمقراطي الأهوازي والجبهة الشعبية البلوشية، وأوهمهم بأنه يمثل المعارضة في الداخل.
وفي حديث مع الدكتور علي رضا نوري زاده مدير مركز الدراسات العربية الإيرانية بلندن، الذي أجرى أول مقابلة متلفزة مع مدحي بعد خروجه من إيران، أكد أن مدحي كان من رجال الحرس الثوري وعمل بمكتب آية الله علي أروميان نائب في مجلس خبراء القيادة، مضيفاً أنه يدعي أنه يعرف الكثير من الأسرار، ولكن بعد مرور عدد من المقابلات تبين التناقض الواضح في حديثه.
واستطرد نوري زاده قائلاً أن ادعاء مدحي بخصوص علاقته بكثير من عناصر الحرس الثوري والأمن المعارضين للنظام كانت كذبته الكبرى، كما أن الوثائق التي عرضها علينا كانت مزيفة، مما دفعني لإيقاف المقابلات المتلفزة معه.
تضارب في الروايات الإيرانية الرسمية
ونفى نوري زادة بشدة وجود حكومة في المنفى، متسائلاً كيف استطاع أن يتوغل في مثل هذه الحكومة غير الموجودة، مضيفاً أن هذا الشخص تمكن بشكل أو بآخر من حضور مؤتمر للمعارضة عقد في باريس، فشاهدناه يجلس إلى جانب أمير حسين جهانشاهي زعيم تنظيم الموجة الخضراء المعارض، ووصف نوري زادة أقوال مدحي بخصوص التوغل في صفوف المعارضة بأنه مثير للسخرية، وهو من نسج خيال الاستخبارات الإيرانية.
وأضاف نوري زاده أن عرض هذه “المسرحية الاستخباراتية” في هذا الوقت بالتحديد هو للحيلولة دون تشكيل تجمع كبير للمعارضة من المزمع عقده قريباً في إحدى العواصم الأوروبية.
وبخصوص هذا المؤتمر، قال الدكتور كريم بني سعيد عبديان المستشار الأعلى لحزب التضامن الديمقراطي الأهوازي، الحزب العربي الذي ذكر اسمه مراراً في الوثائقي المذكور، إن حضور مندوبنا شريفي في هذا المؤتمر بباريس جاء بناء على دعوة تلقيناها من قبل الفيلسوف الفرنسي برنارد هنري لوي مستشار الرئيس الفرنسي ساركوزي، ولم تكن هناك أي نية للمشاركة في أي دولة في المنفى، لا سيما وأن شروطنا نحن وشروط أحزاب القوميات الأخرى كالكرد والبلوش بخصوص الحكومة القادمة واضحة للجميع.
واستطرد قائلاً: “نحن لن نشارك في أي حكومة لا تقبل بنظام لامركزي فيدرالي وديمقراطي يضمن حقوق جميع المكونات القومية لإيران، بما فيه الشعب العربي الأهوازي. لذا ادعاءات العنصر الاستخباراتي مدحي ما هي إلا مسرحية من إخراج دهاليز الاستخبارات الإيرانية”.
هذا وقال مصدر مطلع لـ”العربية.نت” رفض الكشف عن هويته، أن مدحي كان قد خرج هارباً من إيران بعد أن انشق عن الاستخبارات في الحرس الثوري، وكانت له بعض العلاقات بعناصر الحرس والأمن الإيراني، الأمر الذي دفع بعض أوساط المعارضة والحكومات الغربية الاقتراب منه، إلا أن الحكومة الإيرانية استطاعت ومن خلال الضغط على زوجته الأولى أن تجعله يتراجع عن موقف المعارض، فاتفق مع الاستخبارات الإيرانية على إخراج هذا الوثائقي مقابل ضمان عودته ثانية إلى إيران للالتحاق هو وزوجته الثانية بسائر أعضاء أسرته في الداخل.