تاريخ العلاقة يعود لبدايات التسعينات بتدريب قوة القدس وحزب الله لعناصر التنظيم على المتفجرات
لندن: «الشرق الأوسط»
الحديث عن علاقة إيران أو الحرس الثوري والاستخبارات بتنظيم القاعدة أشبه بحديث عن زواج متعة أو مصلحة مؤقتة بين اتجاهينimad-mugniyah

إيران و«القاعدة».. زواج متعة

آيديولوجيين متناقضين من الصعب نظريا تصديق إمكانية حدوثه. لكن الشواهد أثبتت على أرض الواقع أن ذلك ممكن. فوفقا لتقرير خاص حصلت عليه «الشرق الأوسط» وقدم إلى دوائر في الكونغرس الأميركي من مجموعة خاصة بالتحاليل الاستخبارية فإن هناك اعتقادا خاطئا بعدم إمكانية التعاون بين إيران الشيعية والمنظمات السنية المتطرفة.

وجددت أوراق القضية التي رفعت الشهر الماضي في مانهاتن من قبل عائلات ضحايا 11 سبتمبر (أيلول) الإشارات إلى هذه العلاقة المريبة التي ظهرت على السطح قبل سنوات، عندما تسرب أن عشرات من عناصر «القاعدة» بينهم قياديون كبار وأفراد من أسرة أسامة بن لادن نفسه يجدون في إيران ملاذا آمنا، وكذلك ما أشيع عودة أشخاص مثل سيف العدل القائد العسكري إلى أفغانستان أو باكستان من إيران إلى مسرح العمليات.

وفي أوراق الدعوى، أقر منشقون من الاستخبارات الإيرانية بأن مسؤولين إيرانيين كانت لديهم معرفة مسبقة بهجمات 11 سبتمبر، وأن إيران وحزب الله سهلا سفر الانتحاريين الذين نفذوا الهجمات. وقالت لجنة 11 سبتمبر إنه يوجد «دليل قوي على أن إيران سهلت نقل عناصر من تنظيم القاعدة داخل وخارج أفغانستان قبل 11 سبتمبر، وإن بعضا من هؤلاء كانوا خاطفين شاركوا في هجمات 11 سبتمبر». وقال التقرير أيضا إن هناك أدلة غير مباشرة على أن عناصر بارزة بحزب الله كانوا يتتبعون عن قرب سفر بعض الخاطفين إلى إيران في نوفمبر (تشرين الثاني) 2000.

لكن اللجنة قالت إنها «لم تجد أي دليل على معرفة إيران أو حزب الله بالتخطيط لهجمات 11 سبتمبر»، وإن «الموضوع يتطلب المزيد من التحقيقات من قبل حكومة الولايات المتحدة».

لكن.. من استغل الآخر: إيران أم «القاعدة»؟.. سؤال مفتوح، والمؤكد أن العلاقة بين الاثنين ووسطهما حزب الله اللبناني تاريخها قديم، فقط لم تكن تحت الضوء، فحسب تقرير مجموعة التحاليل الاستخبارية فإن هذه العلاقة بين إيران وقيادات في تنظيم القاعدة بما في ذلك أيمن الظواهري الرجل الثاني في التنظيم والمرشح لخلافة أسامة بن لادن بعد مقتله، لم تحظ بالاهتمام الكافي اعتمادا على اعتقاد خاطئ، وهو أن إيران الشيعية لن تتعاون مع تنظيمات سنية. وكان هذا الاعتقاد يتجاهل الدلائل الموجودة على الأرض، فعلى النقيض يعود تاريخ العلاقة بين الاثنتين إلى بدايات التسعينات، عندما بدأ مسؤولون كبار من قوة القدس، وهي وحدة نخبة في الحرس الثوري الإيراني، يعملون سرا مع الحليف الأول لهم خارجيا حزب الله اللبناني في تدريب عناصر «القاعدة».

وبعد الاعتداء الذي جرى في الخبر في السعودية عام 1996 وقتل فيه 19 أميركيا، بدأت تطفو على السطح دلائل جديدة على العلاقات بين «القاعدة» وقوة القدس التي لديها تفويض من مرشد الجمهورية الإيرانية لتمويل وتدريب الميليشيات الإسلامية، وهو ما أشار إليه واضعو تقرير هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، الذين أشاروا إلى أن الخلافات الشيعية السنية لم تكن حاجزا أمام التعاون في أعمال إرهابية.

وبعد هجمات 11 سبتمبر أصبحت هذه العلاقات أكثر وضوحا، بعد أن وجد مئات من عناصر «القاعدة» وعائلاتهم ملاذا آمنا في إيران. ويعلم الآن المسؤولون الأميركيون أن وزير الدفاع الإيراني الذي كان سابقا قائدا لقوة القدس جهز منازل آمنة لعناصر «القاعدة»، كما أن المعلومات تشير إلى أن القيادي في «القاعدة» سيف العدل، وهو القائد العسكري للتنظيم، استطاع وهو تحت الإقامة الجبرية في إيران أن ينسق اعتداءات ضد أهداف غربية، وبينها اعتداء الرياض الذي قتل 8 أميركيين في عام 2003.

هذه العلاقة بين إيران و«القاعدة» والتي تشبه زواج المتعة قد يرجع تفسيرها إلى التغير الذي شهدته إيران خاصة بعد عام 2005، من دولة ثيوقراطية دينية إلى دولة أمنية (مبنية على سيطرة نخبة عسكرية وأمنية ترسم السياسة الخارجية في إطار رؤيتها لقوتها العسكرية)، بدفع من مرشد الجمهورية علي خامنئي والرئيس محمود أحمدي نجاد القادم من الحرس الثوري، فقد استطاع الحرس أن يسيطر على مفاصل القوة داخل إيران، والآن تسعى القيادة الإيرانية إلى تحقيق الهيمنة الإقليمية.

ولتحقيق هذا الهدف تعتمد استراتيجية القادة الإيرانيين على الحصول على شيئين، الأول السعي للحصول على القدرة النووية العسكرية كوسيلة لجعل المكاسب الإقليمية التي يحققونها غير قابلة للتراجع، والثاني دعم منظمات إرهابية تمكنهم من خلق حالة عدم استقرار في الدول غير الصديقة، وربما كل الجوار الإيراني.

وأبرز دليلين على العلاقة التي تعود بداياتها إلى أوائل التسعينات وتوثقت بعد هجمات 11 سبتمبر أن اثنين من أبرز قيادات «القاعدة» مرا عبرا إيران، وهما أبو مصعب الزرقاوي الذي أصبح أخطر مطلوب في العراق قبل أن يقتل، وسيف العدل الذي تحول وهو مقيم في إيران إلى قائد العمليات الخارجية.

ولفهم الأجندة الإيرانية ينبغي أن يوضع في الاعتبار أن إيران دولة مركز القرار فيها ليس واحدا، بل هي دولة فيها تعددية في مراكز القرار والقوة، فبعد الثورة في عام 1979 نشأت مؤسسات متوازية كأسلوب لحماية الثورة، مثل الحرس الثوري الذي يعد مؤسسة موازية للجيش هناك ويسمى الباساردان، وأسسه في عام 1979 آية الله الخميني لمواجهة هجمات الميليشيات اليسارية المسلحة، وبعد ذلك أصبحت مهمة الحرس نشر الثورة الإسلامية.

يتكون الحرس من 5 فروع، هي القوات البرية والجوية والبحرية وميليشيا الباسيج وقوة القدس للعمليات الخاصة، وتقدر قوة الحرس بـ125 ألفا، بينما تقدر قوة الباسيج، وهي ميليشيا متطوعين، بنحو مليون فرد.

في سبتمبر (أيلول) 2007 عين مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي محمد علي جعفري ليصبح رابع قائد للحرس الثوري بدلا من يحيى رحيم صوفي الذي كان نفوذه قد تزايد وحوله المرشد إلى مستشار عسكري خاص له.

القائد الجديد للحرس حدد رؤيته في كلمة في 3 سبتمبر 2007، حينما قال إنه في ضوء التفوق التكنولوجي للعدو – في إشارة إلى الولايات المتحدة – فإن الحرس سيعتمد على الأساليب التي استخدمها حزب الله في حربه ضد إسرائيل في لبنان في عام 2006.

ويعتبر الحرس الثوري الآن قوة استخبارية داخل وخارج إيران، ولديه نفوذ قوي في الإدارة الحكومية، ويعتقد كثيرون أنه تجاوز إطار الدور المرسوم له ليصبح قوة سياسية واقتصادية متغلغلة في كل مناحي الحياة في إيران.

ولأن الدستور الإيراني يمنع مرشد الجمهورية من أن يكون زعيما أوتوقراطيا كاملا، فإنه وزع القوة بين المؤسسات، وفي ضوء ذلك استخدم آية الله علي خامنئي وضعه كقائد أعلى للقوات المسلحة وقبضته القوية على الحرس الثوري في توسيع نفوذه، وظهر ذلك من خلال تعيين أحمدي نجاد الكثير من القادة السابقين للحرس في مواقع حكومية مؤثرة.

وبالعودة إلى موضوع إيران و«القاعدة»، بعد أيام من هجمات 11 سبتمبر، وتوقعات لهجوم أميركي في أفغانستان، قال صديق أسامة بن لادن وحليفه حكمتيار «يجب علينا الدفاع عن بلادنا، وردنا سيعتمد على شكل الهجوم الأميركي». وقال حكمتيار الذي كان يعيش في ذلك الوقت في إيران «إن المعادلة الإقليمية كلها ستتغير، والآن سنرى بوضوح مواقف إيران والصين وروسيا وباكستان».

بالنسبة إلى مراقبين كثيرين فإن إيران أرسلت إشارة قوية حول موقفها، عندما سمح قادتها لعناصر «القاعدة» بدخول أراضيها قبل 11 سبتمبر، واستمر ذلك في ما بعد. ويلاحظ تقرير 11 سبتمبر أن علاقة العمل بين إيران و«القاعدة» يعود تاريخها إلى ما قبل الهجمات، ففي عام 1996 كانت هناك علاقة قوية بين إيران وتنظيم الجهاد المصري الذي كانت لديه روابط قوية مع أسامة بن لادن.

وفي 4 نوفمبر 1998، اتهم مكتب المدعي الأميركي في جنوب نيويورك أسامة بن لادن بالتآمر لمهاجمة منشآت أميركية، واتهم المدعي «القاعدة» بالتعاون مع السودان وإيران وحزب الله في ذلك.

وقبل عام من هجمات 11 سبتمبر، اعترف علي محمد وهو أحد المتهمين في الهجمات على سفارتي الولايات المتحدة لدى كينيا وتنزانيا، أنه كان على علم بروابط بين تنظيم الجهاد المصري السني وإيران وحزب الله. وقال إنه رتب تأمين اجتماع في السودان بين عماد مغنية القائد العسكري لحزب الله وأسامة بن لادن في التسعينات، ووفر حزب الله اللبناني التدريب على المتفجرات لعناصر «القاعدة» بينما وفر الحزب الأسلحة لتنظيم الجهاد المصري (في تلك الفترة كان كارلوس الإرهابي الدولي في زمن التنظيمات اليسارية المتطرفة في الستينات والسبعينات في السودان أيضا، قبل أن يجري تسليمه إلى فرنسا لاحقا).

وحسب شهادة علي محمد في أكتوبر (تشرين الأول) 2000، فإن تنظيم الجهاد المصري كان على صلة قوية بـ«القاعدة»، والهدف المشترك كان مهاجمة الدول الغربية لإجبارها على مغادرة الشرق الأوسط، وكان نموذجهم في ذلك الاعتداء الذي جرى في عام 1983 على معسكرات المارينز في بيروت والذي دبره عماد مغنية بمساعدة من إيران.

وكان يقود تنظيم الجهاد المصري في 1998 أيمن الظواهري، الذي دمج منظمته مع منظمة بن لادن لتشكلا الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين. وقبل ذلك كان الظواهري قد أسس علاقة قوية مع قائد قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني. وخلال التسعينات سافر الظواهري مرارا إلى إيران كضيف على الاستخبارات (في عام 2007 قال مسؤولو استخبارات أميركيون أنه تم توفير منازل آمنة لقيادات «القاعدة» في إيران بعد هجمات 11 سبتمبر).

وكان أسامة بن لادن قد أقام في السودان بين عامي 1992 و1996 مع عدد من كبار مساعديه، بما في ذلك سيف العدل القائد العسكري للتنظيم، وهناك تقارير عن علاقة مسؤول إيراني بعدد من قيادات بن لادن خلال فترة السودان، بينما جرى توفير منازل آمنة لأبناء بن لادن في إيران بعد هجمات 11 سبتمبر. وكانت «الشرق الأوسط» قد كشفت في ديسمبر (كانون الأول) 2009 عن وجود ابنة أسامة بن لادن في إيران، ومحاولتها الهرب، ولجوئها إلى السفارة السعودية حتى تؤمن خروجها بعد ذلك.

وعلى عكس الكثير من القيادات المتطرفة الأصولية فإن بن لادن كان يركز على الصورة الأكبر وهي شن حرب ضد الولايات المتحدة. ووفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر فإنه خلال فترة إقامة بن لادن في السودان تم إبرام اتفاق بين رجال العمليات في «القاعدة» وإيران على التعاون على الأقل في التدريب من أجل عمليات ضد الولايات المتحدة وإسرائيل. وبعد وقت قصير بدأ عناصر «القاعدة» في السفر إلى إيران للتدريب على المتفجرات، وفي نهاية عام 1993 ذهبت مجموعة أخرى من «القاعدة» إلى وادي البقاع في لبنان للتدريب على المتفجرات والاستخبارات والأمن.

ويعتقد أن رجال بن لادن تلقوا تدريبا من الحرس الثوري مباشرة في الفترة التي كان فيها الجنرال محمد باقر ذو القادر يدير معسكرات تدريب للحرس في السودان، وقد توسط الظواهري في تأسيس العلاقة بينه وبين بن لادن.

ويقول واضعو تقرير 11 سبتمبر إن بن لادن أظهر اهتماما خاصا بتعليم رجاله كيفية استخدام الشاحنات المفخخة من النوع الذي أدى إلى قتل 241 من رجال المارينز في بيروت عام 1983. ووفقا لما نشرته «نيويورك تايمز» فإنه في عامي 1995 و1996 كان بن لادن يفكر في توحيد القوى المتطرفة في حرب ضد أميركا.

وقال مشتبه به في التفجير الأول لمركز التجارة العالمي في نيويورك عام 1993 إن مسؤولا من حزب الله التقى مسؤولا آخر من «القاعدة» في السودان عام 1996، وكان الوسيط في ذلك الشيخ النعماني الذي وصف بأنه على علاقة قوية بأعلى المسؤولين في إيران. وكان السودان موقعا ملائما لأسامة بن لادن لتقوية مجلس الشورى المحيط به، وبعد وصوله إلى هناك نظم الزعيم الإسلامي السوداني حسن الترابي عدة اجتماعات بين منظمات مختلفة بينها منظمة التحرير وحماس وحزب الله، وكان الترابي يريد أن تضع هذه المنظمات خلافاتها جانبا وتنسق ضد العدو المشترك. لكن في عام 1995 وقع النظام السوداني تحت ضغط شديد من المجتمع الدولي لقطع علاقته بابن لادن، الذي كان يوفر حماية لتنظيم الجهاد المصري الذي كان وراء تفجير السفارة المصرية في باكستان، ومحاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك في عام 1995. وكان الظواهري الذي خطط لهجوم السفارة يريد أصلا مهاجمة السفارة الأميركية لكنه وجد الحماية عليها مشددة.

وغادر بن لادن السودان بعد الضغط الدولي على الخرطوم، وعندما وصل تدخل صديقه حكمتيار من أجل دعمه. ولحكمتيار علاقات بأجهزة مخابرات كثيرة مهتمة بأفغانستان منذ أيام الحرب ضد السوفيات. ومنذ 1996 كان لحكمتيار منزل في إيران. وظهرت تقارير في يونيو (حزيران) 1996 عن اجتماع خاص استضافته إيران لعدد من القادة البارزين لمنظمات متطرفة، تزامنا مع انعقاد القمة العربية في القاهرة وقتها. واجتذب الاجتماع الذي نظمه الحرس الثوري رمضان شلح من «الجهاد» الفلسطيني، وأشرف سالم من «الجهاد» المصري، وعماد مغنية من حزب الله اللبناني، ومسؤولا رفيعا من حماس، ومبعوثا من بن لادن هو محمد علي أحمد، وكذلك أحد مساعدي حكمتيار.

كان هدف الاجتماع أن تضع هذه المنظمات خلافاتها جانبا للتركيز على هدفها المشترك وهو محاربة أميركا وإسرائيل (وكانت هناك تقارير غير مؤكدة بأن بن لادن وحكمتيار حضرا هذا الاجتماع). وتشير تقارير إلى أن عماد مغنية أسند إليه من قبل قوة القدس التنسيق مع المنظمات المتطرفة الأخرى، وكان مغنية نجما في أوساط المتطرفين قبل هجمات 11 سبتمبر فقد قتل عددا من الأميركيين أكثر من أي شخص آخر.

والملاحظ أن هذا الاجتماع عقد في الوقت نفسه الذي كانت فيه إيران تحض حزب الله على توحيد فروعه في العالم الإسلامي، وجرى تفسير هذا التوجيه في عام 1995 من وجهة النظر الإيرانية بأنه لوحظ أن التمويل في بعض الدول مثل السودان يذهب إلى جماعات لا تشارك إيران رؤيتها نفسها.

أيضا في عام 1996 أصدرت قوة القدس أمرا باستهداف الأهداف الغربية. وهاجم ما يسمى حزب الله الحجاز، برج الخبر في الظهران مستهدفا أميركيين. وفي تقرير لجنة 11 سبتمبر أنه كانت هناك روابط بين شبكة بن لادن وحزب الله الحجاز في هذا الهجوم. وقد وقع الهجوم بعد أسابيع من مغادرة بن لادن السودان إلى أفغانستان.

وقبل عام من ذلك وقع هجوم في نوفمبر 1995 خارج مقر مشترك عسكري سعودي أميركي وقتل فيه 5 أميركيين، وتبنت الهجوم جماعات قريبة من بن لادن، وجاءت المتفجرات من إيران. وفي أغسطس (آب) 1996 بن لادن احتفى بالهجوم الذي جرى في الخبر، وكذلك نوه بالهجوم الذي وقع على المارينز في بيروت عام 1983، وكان مستغربا وقتها أن تصدر عنه إشادة علنية بهجوم شنته منظمة شيعية.

وفي عام 1998، نفذت «القاعدة» هجومين متزامنين على السفارتين الأميركيتين لدى كينيا وتنزانيا بأسلوب حزب الله نفسه (الشاحنات المفخخة)، مما أدى إلى مقتل 224 مدنيا وجرح 5 آلاف. ووجه الاتهام في الهجومين إلى بن لادن ومقربين منه، بينهم محمد عاطف والظواهري ومحمود محمد سالم، وكذلك سيف العدل. ووفقا للمدعين الأميركيين فإن سيف العدل وفر التدريب والمعلومات الاستخبارية لعناصر «القاعدة» و«الجهاد» المصري، ورصد المسؤولون الأميركيون الذين كانوا يحققون في الهجومين 10% من المكالمات المتعلقة بالهجومين من هاتف بالأقمار الصناعية لابن لادن مع كبار مساعديه في إيران في ذلك الوقت.

وفي المذكرات التي كتبها سيف العدل فإنه يشير إلى المهمة التي أوكلت إليه لمد العلاقة مع شبكة الزرقاوي التي كانت تتدرب في أفغانستان في معسكر قرب هيرات قبل هجمات 11 سبتمبر، ويشير فيها إلى الممر الجديد وهو إيران. وقال إنهم استفادوا من الممر لاحقا بدلا من الآخر القديم عبر باكستان. ويشير تقرير لجنة 11 سبتمبر إلى أن 8 – 10 من السعوديين الذين شاركوا في هجمات 11 سبتمبر سافروا من أو عبر إيران بين أكتوبر عام 2000 وفبراير (شباط) 2001. كما يشير التقرير إلى أن عملاء حزب الله كانوا يراقبون عن كثب حركة مهاجمي 11 سبتمبر عبر إيران منذ نوفمبر عام 2000. وكان الإيرانيون راغبين في تقديم التسهيلات لمرور آمن من دون أختام على جوازات سفرهم. وهناك معلومات عن أن رمزي بن الشيبة، الذي وصف بأنه منسق هجمات 11 سبتمبر، توقف في إيران عدة مرات في طريقه إلى أفغانستان بعد كل اجتماع كان يعقده مع انتحاريي 11 سبتمبر في أوروبا.

ووفقا لتوفيق بن عطاش، احد المخططين للهجوم على المدمرة الأميركية كول في عدن في أكتوبر عام 2000، فإن الإيرانيين رغبوا في توثيق علاقتهم مع «القاعدة»، لكن بن لادن تجاهلهم عدة مرات خوفا من تأثير ذلك على أنصاره في السعودية.

ووفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر فإن عماد مغنية أصبح بمثابة وكيل السفر لعناصر «القاعدة» في الفترة التي سبقت الهجمات. وبين 1997 و2003 سافر مغنية إلى إيران وأفغانستان وسوريا ولبنان وباكستان وشمال العراق، وساعد قيادات «القاعدة» على السفر من أفغانستان إلى العراق عبر إيران مستغلا علاقته بقوة القدس الإيرانية. ورغم أنه لم تجر الإشارة إليه في تقرير 11 سبتمبر فإن واضعي التقرير اطلعوا على وثائق استخبارية تشير إلى تقديم مغنية المساعدة للمهاجمين على السفر إلى إيران.

وهناك تقرير يشير إلى أن ضابط الاستخبارات الإيراني السابق رضا ذكري أبلغ مسؤولين في الاستخبارات الأميركية بمساعدة إيران لعناصر «القاعدة»، بما في ذلك سفر رمزي بن الشيبة إلى إسبانيا في يوليو (تموز) 2001، للقاء أخير مع محمد عطا قائد الانتحاريين. وفي إفادته قال ذكري إن الظواهري لديه علاقة قوية مع مسؤول إيراني رفيع، كما أشار إلى أن عماد مغنية أبلغ الاستخبارات الإيرانية بخطط تنظيم القاعدة لمهاجمة مركز التجارة العالمي، ويعتقد أن مغنية واصل تقديم التسهيلات اللوجيستية لأعضاء «القاعدة» للسفر إلى إيران بعد 11 سبتمبر.

ويعكس لجوء عناصر «القاعدة» إلى إيران فكر الظواهري الذي قال في كتاب له في أواخر 2001 إن الجهاديين عندما يواجهون باحتمالات التصفية الشاملة يواجهون بسؤال هو هل يقفون ويحاربون أم ينحنون للعاصفة لتجنب الخسائر؟.. والإجابة كانت عند الظواهري هي أن الاستراتيجية الأمثل أن يهربوا إلى مكان آمن.

ويقول سيف العدل في مذكراته إنه بعد هجمات 11 سبتمبر ومع الشعور بأن هناك خططا أميركية في العراق لإطاحة صدام حسين أعد العدل والزرقاوي خطة أخيرة لدخول العراق من المناطق الشمالية بمساعدة جماعة أنصار الإسلام (وقتها كان اسمهم أنصار السنة). وتشير الدلائل إلى أن الزرقاوي كانت له أنشطة داخل إيران، فقد أقام قاعدة في زهدان قرب حدود باكستان وأخرى في طهران في مزرعة مملوكة لحكمتيار. لكن بعد ذلك أصبحت ضيافة إيران موضع تساؤل مع صعود محمد خاتمي إلى الرئاسة ورغبته في إزالة صورة دعم إيران للإرهاب عن المجتمع الدولي، لدرجة أن أخاه الذي كان يرأس البرلمان اقترح تشريعا يمنع مساندة الإرهاب. لكن الصراع بينه وبين مرشد الجمهورية خامنئي وأتباعه كانت اليد العليا فيه للأخير الذي مارس نفوذه داخليا وخارجيا عبر الحرس الثوري وقوة القدس. وكانت هناك مناورات في ما يتعلق بوجود ما يقدر بنحو 100 من عناصر «القاعدة» في إيران واضطر الزرقاوي إلى المغادرة إلى سوريا في ربيع 2002، وظهرت تقارير بعد ذلك أن قوة القدس كانت تعمل على إخفاء هؤلاء بتحريكهم من وإلى إيران.

وأصبحت علاقة إيران بـ«القاعدة» أكثر عقلانية، بعدما كشف الأردن في سبتمبر 2003 أن طهران رفضت تسليمه أبو مصعب الزرقاوي الذي سجن لفترة محدودة هناك خلال سفره من أفغانستان إلى كردستان العراق. وبعد أيام قالت تقارير إن إيران رفضت أيضا طلبا سعوديا بتسليم سعد بن لادن، ابن بن لادن، والمتحدث باسم «القاعدة» سليمان أبو غيث. وحتى قبل صعود نجم الزرقاوي في العراق، أصبحت علاقة إيران بمنظمات سنية متطرفة واضحة.. ففي مايو (أيار) 2003 انفجرت 3 شاحنات مفخخة في مجمع سكني يسكن فيه غربيون في الرياض، بما أدى إلى مقتل 34 شخصا بينهم 8 أميركيون. وأكدت الاستخبارات الأميركية أن «القاعدة» كانت وراء هذا الهجوم، وبعدها تكشف أن بعض المخططين ناقشوا مخططهم مع قيادات من «القاعدة» كانت تقيم في إيران في ذلك الوقت. وقالت تقارير صحافية غربية نقلا عن استخباريين إن هناك أدلة على أن الخلية السعودية كانت لديها اتصالات بهذه القيادات، بما في ذلك سيف العدل الذي كان يعد وقتها الرجل الثالث في السلم القيادي لـ«القاعدة»، وأصبح حلقة الوصل في العلاقة مع إيران، كما كان هو الذي قاد مسلحي «القاعدة» الذين حاربوا قوات التحالف في غارديز في أفغانستان.

ووفقا لمسؤولين استخباريين سعوديين فإن سيف العدل كان منسق هجمات مايو 2003 في الرياض، التي كانت تحمل أيضا بصمات تكتيكات حزب الله، كما أن أصابعه كانت واضحة في هجمات على أهداف غربية ويهودية في الدار البيضاء في المغرب.

وفي 2003 قال مسؤولو استخبارات أميركيون للصحافة إن عملاء الاستخبارات الإيرانية وقوة القدس منخرطون بقوة في دعم منظمات إرهابية بما في ذلك «القاعدة»، وطلبت الولايات المتحدة أن يجري تسليم عناصر «القاعدة» إلى السعودية، وردت إيران بعرض لمبادلتهم مع عناصر «مجاهدين خلق». وظهرت تقارير بأن البنتاغون كان في إحدى المراحل على استعداد لإتمام الصفقة، لكن الاستخبارات الأميركية قدرت أن طهران لن تسلم العناصر القيادية في التنظيم، بما جعل البنتاغون يتراجع عن الصفقة. ويظهر ذلك أن إيران حلت كمكان آمن بدلا من أفغانستان لعناصر «القاعدة» للتخطيط للهجمات.

ويتكهن خبراء في أنشطة تنظيم القاعدة بأنه عندما بدأ سيف العدل في تسليم عائلات قيادات «القاعدة» بما في ذلك عائلة بن لادن إلى إيران، فإنه جلب معه ما يسمى «الفريدج»، وهي مادة تستخدم في النشاط النووي. ويشير خبراء أمنيون إلى أن بن لادن قال في أول مقابلة له بعد هجمات 11 سبتمبر في نوفمبر 2001 إنه لديه أسلحة نووية وكيماوية، وإنه سيستخدمها إذا استخدمت واشنطن هذه الأسلحة ضده. وعندما سأله الصحافي حمدي مير، من أين أتى بهذه المواد، رفض التعقيب. وفي مقابلة لاحقة مع الظواهري قال الأخير إن المسألة ليست صعبة، فإذا كان لديك 30 مليون دولار تستطيع أن تذهب إلى السوق السوداء في وسط آسيا وتجري اتصالا بعالم روسي منشق وتأخذ منه حقيبة أسلحة نووية. وقد تلقت الاستخبارات الأميركية إخبارية من نظيرتها الروسية بأن «القاعدة» ربما حصلت على 10 كيلوتون من معدات نووية، ربما من منطقة في الاتحاد السوفياتي السابق.

وفي مذكرة عثر عليها قبل 11 سبتمبر، يتحدث كيميائي «القاعدة» أبو خباب المصري عن محاولات للحصول على معلومات عن أسلحة الدمار الشامل، خاصة من «صديقنا الباكستاني الذي لديه خبرة كبيرة في هذا المجال». وعلم بعد ذلك أن «القاعدة» لجأت إلى العالم الباكستاني الدكتور سلطان بشار الدين محمود الذي كان تقاعد حديثا، والتقى بن لادن عدة مرات، وحققت معه المخابرات الباكستانية والأميركية. وحسب رواية ابنة ابنه فإن بن لادن حاول جاهدا الحصول منه على كيفية بناء قنبلة نووية. لكن لا يوجد دليل على أن «القاعدة» نجحت في الحصول على سلاح نووي. وسواء كانت العلاقة من وجهة نظر إيران تخدم المصالح قصيرة الأجل، أو الاستفادة من موارد «القاعدة» بما فيها بعض المعدات النووية، فإن الظواهري تمكن بعد انتخاب محمود أحمدي نجاد في 2006 وبمساعدة وزير الدفاع وسيف العدل من بناء شراكة مع الاستخبارات الإيرانية وقوة القدس.

وفي ربيع 2010 ظهرت تقارير من أفغانستان وباكستان بأن سيف العدل، القائد البارز في «القاعدة»، الذي ظل لسنوات طويلة تحت إشراف إيران، عبر الحدود الإيرانية. وقال استخباريون في أبريل (نيسان) 2010 إن إطلاق سيف العدل يعني مضاعفة القوة الهجومية لـ«القاعدة».

وحسب التقرير الخاص الذي حصلت عليه «الشرق الأوسط»، فإنه، مع الدعوات التي أطلقها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب للجهاد ضد الغرب، ازداد قلق دوائر مكافحة الإرهاب من تصاعد موجة هجمات، خاصة الطرود المتفجرة أخيرا, وكان المشتبه الرئيسي فيها في اليمن، حسن العسيري، وهو صانع قنابل في التنظيم. لكن صحافيا باكستانيا متخصصا في شؤون الإرهاب رأى أن المؤامرة التي استهدفت طائرات شحن جوي تحمل بصمات قيادي في «القاعدة» ظل 9 سنوات تحت الإقامة الجبرية، وهو سيف العدل الذي اعتبره واجهة «القاعدة» في عام 2011، ويمتد نفوذه من الصومال إلى اليمن وتركيا وأوروبا والهند.

ويشير التقرير إلى كتاب الزرقاوي الذي أعده الصحافي الأردني، فؤاد حسين، ويورد أن الزرقاوي ناقش مع سيف العدل احتمالات المواجهة العسكرية بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل. ويعتقد تنظيم القاعدة أن مثل هذه المواجهة ستحسن ظروف العمل بالنسبة له.

ويعتقد أنه بسماح إيران لسيف العدل وسليمان أبو غيث اللذين لهما علاقات بالحرس الثوري الإيراني بالعودة إلى العمل خارج حدودها، فإنها عمدت إلى توزيع الأوراق مجددا لتحسين ظروف عمل «القاعدة». وبالنسبة إلى كثير من المراقبين، فإن هذا يعيد إلى الذاكرة قرار طهران في 2002 بالسماح بعودة حكمتيار إلى أفغانستان في عام 2002، وذلك لتأجيج المواجهات هناك.

شاهد أيضاً

فوز الأديبة الأهوازية الشابة سرور ناصر في المركز الاول للقصة القصيرة

فوز الأديبة الأهوازية الشابة سرور ناصر في المركز الاول للقصة القصيرة جابر احمد 2024 / …