د. عبد الله حويس/ ألمانيا
ود. أحمد حمّود/ لبنان
خاص “المدارنت”..
في لبنان، صحيح ان الشعب ثار ضد نظام الفساد والمحاصصة الطائفية دون ذكر إيران، لكن حزب الله يعلم تماماً ان نجاح الثورة سينعكس سلباً عليه. وذلك يأتي من واقع كونه مهيمناً بسلاحه على الدولة وأجهزتها وعلى الطبقة الحاكمة وحاشياتها التي تعتمد عليه في حماية فسادها المستشري، فضلاً عن مشاركته في هذا الفساد بكل أشكاله وفي التسبب بالانهيار الاقتصادي، وعن سعيه لاستكمال تحويل لبنان كله تابعاً لإيران. لذا فإن استمرار الثورة سيؤدي، عاجلاً أم آجلاً، الى انهيار هيمنة الحزب خاصة وأنه أصبح في مرمى الثوار والكثير من الأطراف بما في ذلك في المناطق الخاضعة مباشرةً له. وهذا يعني أن استمرار لبنان في رقعة النفوذ الإيراني لم يعد مضموناً.
أما في سورية، فإن التدخل الروسي سحب البساط من تحت أقدام إيران وتابعها حزب الله، رغم استمرار مشاركتهما في التدمير والقتل والتطهير المذهبي وفي الدفاع عن نظام الأسد الدموي الخاضع لروسيا والذي يدين لها باستمرار وجوده. ومع امتداد الهيمنة الروسية التي أعادت معظم مناطق سورية تحت سيطرة النظام، أصبحت إيران والميليشيات التابعة لها عبئاً ثقيلاً على طغمة الأسد وعلى روسيا. وليس صدفةً أنهما يمتنعان عن تأمين أية تغطية جوية لهذه الميليشيات، إذ يغضّ الطرفان الروسي والسوري النظر عن هجمات العدو الاسرائيلي التي تتكرر كلما حاولت هذه الميليشيات أن تتجاوز ما تعتبره إسرائيل خطراً على مصالحها.
أما في العراق، بعد استباحته وتدميره المنهجي، تركت أمريكا لإيران اليد الطولى لتهيمن عليه. وبإشراف هذين الإحتلالين معاً، تم بناء نظام الاستبداد والفساد والمحاصصة الطائفية الذي فتح الأبواب أمام النهب المنظّم لثروات العراق بما فيه استخدام النفط في تمويل التوسع الإيراني وأدواته. من هنا، وبعد انتفاضات عديدة، أتت ثورة الشعب العراقي، وخاصة المكوِّن الشيعي، التي رفعت منذ اليوم الأول شعار طرد إيران وأتباعها من الطبقة الحاكمة والميليشيات. وقد باءت بالفشل كل محاولات الترغيب والترهيب والاحتواء والقمع والتصفيات التي تواصلها إيران وأتباعها ضد قوى الثورة، حيث فشلت مثلاً في فرض أي من مرشحيها رئيساً للوزراء وهذا بحد ذاته دليل ضعف.
ومؤخراً، بعد تبادل الرسائل الدموية بين الإحتلالين، بما في ذلك تصفية قاسم سليماني، عيّنت إيران مكانه إسماعيل قاآني الذي كان يمسك بالورقة الافغانية التي خرجت من يد إيران بعد التفاهم الأمريكي مع طالبان. ومشكلة قاآني أنه لا يجيد العربية ولا يعرف الميليشيات التابعة لإيران ويفتقر لعلاقات شخصية مع قياداتها، بل أنه مشكوك بقدرته على تنفيذ السياسات التوسعية في المنطقة وإدارة العلاقات مع هذه الميليشيات التي تتناحر على اقتسام الحصص في السلطة وخارجها.
لذلك لجأت إيران الى تكليف عبد الرضا العبيداوي بقيادة “الجيش الإسلامي للمقاومة” التابع مباشرةً للحرس الثوري والذي تم تشكيله من خليط من الميليشيات العراقية التابعة، فيما يشبه عملية هروب الى الأمام. فالعبيداوي هو لواء في الحرس الثوري، عربي أحوازي الأصل تم تجنيسه في العراق عام 2007، وبهذا التعيين أصبح يمسك بالملف الأمني والعسكري في العراق. لكن ثمة شكوك بقدرته على تنفيذ توحيد فعلي لهذه الميليشيات رغم خبراته وعمله السابق مع سليماني.
هنا لا بد من الإشارة الى ما تروجه مؤخراً وسائل الإعلام المحلية والعالمية عن عودة تنظيم داعش الى النشاط في عدة محافظات عراقية، وخاصة بعد الهروب المشبوه للمئات من مسلحيه من سجون “قوات سوريا الديمقراطية.” إذ ثمة من
يتهم الميليشيات الإيرانية وحزب الله بتهريب أو بتسهيل إعادة تجمع هؤلاء المسلحين وانتقالهم الى العراق، ضمن إطار العمل : من ناحية، على إجهاض الثورة الشعبية في العراق تحت شعار محاربة الإرهاب، ومن ناحية أخرى، على إعادة تسويق إيران وأتباعها عند الدوائر الأمريكية والأوروبية تحت نفس الشعار.
لا شك أن إيران تمسك بأوراق عديدة تستطيع أن تلعبها أو تفاوض فيها الدول الغربية لانتزاع مكاسب معينة أو لتعزيز نفوذها، ضمن إطار التنافس الدائم على المنطقة وعلى ثرواتها. لكن لا شك أيضاً بأنها بدأت تخسر بعض هذه الأوراق على الأقل منذ أن ألغى الرئيس الأمريكي الاتفاقية النووية. وهي تشهد الآن تطورات داخلية وخارجية ستؤدي ليس فقط إلى خسارتها لمواقع نفوذ أساسية بَنَتْها على حساب المشرق العربي، بل وإلى تحجيم مشروعها التوسعي وربما إلى تهديد نظامها الثيوقراطي المركزي.
لكن هذا لا يعني بأن سقوط هذا النظام أصبح ممكناً لأسباب عديدة، رغم تكامل مفاعيل الأزمة الداخلية الشاملة مع الحصار والضغوط الخارجية. فمن ناحية، هذا السقوط يرتبط بالقرار الغربي وخاصة الأمريكي الذي سمح سابقاً لإيران بتوسيع نفوذها، ويريد الآن إضعافها ومنعها من تجاوز السقف الذي يحدده لها نفوذاً ومصالحاً. ومن ناحية أخرى، فإن الدوائر الغربية ليست مقتنعة بوجود بديل للنظام الحالي خاصة وأن شعوب إيران غير موحّدة ضده، لا في التشكيل ولا في الوسائل ولا في الأهداف. أضف الى ذلك أن المعارضة الإيرانية المنظّمة هي فارسية شوفينية غير مستعدة لأي تعاون مع أبناء القوميات الأخرى من أجل إقامة دولة جديدة ديمقراطية فدرالية او كونفدرالية.
أما إذا نظرنا الى المشروع الإيراني من الزاوية العربية، فلا شك أن المشكلة الأساسية ما زالت تكمن في غياب مشروع عربي مواجِه يتميز بشعبيته واستقلاليته وبجدّيته في استهداف الحرية والديمقراطية والنهوض والتقدم. فالأنظمة العربية المتصارعة مع إيران محكومة بطبيعتها الاستبدادية الفاسدة المتخلفة، وملتزمة بحدود مصالح الدعم الغربي وخاصة الأمريكي. وبالتالي، فإن هذه الأنظمة، رغم مزاعمها، لم ولن تقدّم أي دعم جدّي للثورات الشعبية، خاصة في سوريا والعراق ولبنان، التي خرجت من أجل التحرر من كل الاحتلالات ومن أجل الحرية والعدالة والديمقراطية والعيش الكريم. ومن هنا فلا خيار أمام هذه الشعوب إلا المواجهة المزدوجة ضد أنظمتها المستبدة الفاسدة وضد مشاريع الهيمنة الخارجية.
في ظل كل ما سبق عرضه، هل ستتخلى إيران وأدواتها طوعياً عمّا يفتخرون بتحقيقه، وخاصة نفوذها في العواصم العربية الأربعة، ويعتبرونه إنجازات بهدف إعادة إحياء القومية الفارسية وإمبراطوريتها القديمة تحت القناع المذهبي الاسلامي؟
على الأرجح، انها ستشترس وتلجأ الى كل ما تحت يدها من إمكانات وغيرها للحفاظ على مصالحها وخاصة في العراق وفي لبنان، مما يُعقّد عملية التغيير في هذين البلدين للتخلص من الهيمنة والاستبداد والفساد، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، يبدو أن التحالف الإيراني/السوري الذي سبق ونجح بتأسيس وإطلاق داعش كبندقية ارهابية في خدمة من يشتري، يعيد الآن إطلاقها في غرب وشمال العراق في إطار الصراعات القائمة على حساب بل وبالدم العربي. وهنا يأتي السؤال: هل ستتقاطع مصلحة إيران وأداتها في لبنان مع المصلحة الانتخابية لرئيس وزراء العدو الاسرائيلي بإطلاق حرب ما في جنوب لبنان ؟
وبعد، هل بدأت تتضافر المشاكل الداخلية الاقتصادية والمالية والاجتماعية والصحية وغيرها مع الحصار والضغوط الغربية مع انهيار أسعار النفط مع الهيمنة الروسية في سورية والثورات الشعبية في العراق ولبنان، فيأتي فيروس الكورونا ليشعل شرارة انحدار الهيمنة الإيرانية ؟
لقد سبق وطرحنا سؤالاً في مقال سابق بعنوان “المشروع التوسعي الإيراني”، نعيد صياغته هنا : لقد توسع نفوذ المشروع الإيراني ووصل الى حدود أكبر من قدراته وطاقاته، على حساب الشعب الإيراني وشعوب المنطقة وعلى حساب حاجاتها وخبزها وحرياتها وحقوقها وتعايش مكوّناتها، ألا تؤكد التطورات الداخلية والخارجية بأن مسار التوسع الإيراني قد وصل الى القمة مستنفداً كل امكانياته وأقنعته وأن “السّحر بدأ ينقلب على السّاحر”؟